في تجربة ثرية جمعت بين السيرة الشخصية والخبرة المهنية، قدّم المهندس علي اليوحة، الأمين العام الأسبق للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، شهادة صادقة حول مسيرة امتدت لسنوات طويلة في العمل الثقافي، مؤكداً الدور العميق الذي تضطلع به الثقافة والفنون في المجتمع الكويتي وفي العالم، بوصفها أداة فاعلة في إحداث التغيرات الاجتماعية والفكرية، ووسيلة مهمة لمواجهة الأفكار المتطرفة وبناء وعي إنساني متوازن.
جاء ذلك خلال مشاركته في حلقة حوار ضمن برنامج «الجوهر» للتدريب الإعلامي، الذي تنظمه أكاديمية «لابا» للفنون التابعة لمؤسسة «لوياك»، حيث قدّم شهادة شخصية ومهنية تناولت محطات مفصلية من مسيرته، بوصفه أحد رواد العمل الثقافي في الكويت، خلال فترة توليه أمانة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب على مدى ثمانية أعوام، شهدت خلالها الثقافة والفنون الكويتية حالة من الحيوية الثقافية والفنية المشهودة.
وشارك في الحوار مجموعة من المتدربين، بإدارة الإعلامية اللبنانية رانيا برغوت، التي قدّمت ورشة تدريب إعلامي ركّزت على مهارات إعداد وإدارة حلقة حوارية ناجحة. والمشاركون هم آية بيطار، دلال السمحان، مريم الهندي، والدكتورة منيرة السلطان من داخل الكويت، إضافة إلى بهاء جانبين من بيروت، وأحمد ياغي من الأردن.
«الطفولة والنشأة»
استهلت آية بيطار اللقاء بمحور الطفولة والنشأة، حيث أوضح اليوحة أنه وُلد في مستشفى السالمية الذي شهد طفولته ونشأته، قائلاً «كان الوالد من بين مؤسسي الحركة النقابية في الكويت، وكانت مسيرتي الدراسية عادية، لكنني تكاسلت قليلاً في سنة أولى متوسط، حينها بدأ الوالد يهتم بمتابعتي ويصطحبني معه عندما يذهب للنقابة».
وأضاف «اعتمدت على نفسي في الدراسة، ولم أحتج إلى دروس خصوصية، وكنت طالباً هادئاً ومنضبطاً، وعندما انتقلت لدراسة الهندسة في موسكو عام 1978 استمر هذا النهج، فقد كانت حياتي هناك جديّة للغاية، وبرغم ما قد يمر به الشباب عادة من صعوبات الغربة، إلا أنني لم أواجه مشكلات تُذكر».
«من البلدية إلى المجلس الوطني»
وتعقيباً على أسئلة المشاركة دلال السمحان التي تناولت الجانب المهني، قال اليوحة «انتقالي من بلدية الكويت إلى المجلس الوطني عام 1996 فتح أمامي عالماً جديداً، فالاحتكاك بالمسرحيين والموسيقيين والأدباء والتشكيليين والمهتمين بالتراث والآثار وسّع مفهومي للثقافة، وأكد لي أن المعرفة ركيزة أساسية لأي قيادة ناجحة. ففي عام 2006 أصبحت أميناً عاماً مساعداً، ثم في 2011 أميناً عاماً للمجلس، وهو منصب ترددت في قبوله في البداية، لكن تشجيع من أثق بهم منحني الثقة».
وأشار إلى اهتمامه الخاص بالمكتبة الوطنية باعتبارها أرشيف الدولة، موضحاً أنه تم إطلاق مشروع رقمنة إصدارات المجلس وتحويلها إلى صيغة رقمية، مستفيدين من التقنيات الحديثة آنذاك. كما تم العمل على إعداد إصدارات مبسطة تناسب احتياجات وزارة التربية، مثل كتب عن العملات والطوابع والحضارات والتاريخ في الكويت بلغات متعددة، مؤكداً أن المشروع لم يكتمل رغم تقديمه للوزارة.
«الإعلام وأثره»
ورداً على أسئلة المشاركة مريم الهندي حول محور الإعلام، قال اليوحة: «عملت على تطوير إعلام إلكتروني فعّال، ولم أتردد في اتخاذ القرارات التي رأيتها صحيحة، وتعاملت مع الأزمات بشفافية وثبات».
وقدمت المشاركة مريم الهندي تقريراً مصوراً تضمن لقاءات مع كوادر وزملاء عملوا مع اليوحة في المجلس، عبّروا خلالها عن تقديرهم لتجربته وأشادوا بأسلوبه الإنساني والمهني في التعامل معهم.
«الإدارة»
ومن بيروت، تناول المشارك بهاء جانبين محور الإدارة، حيث أكد اليوحة أن العمل الثقافي منظومة متكاملة تقوم على الإيمان بجميع ألوان الطيف الثقافي، مشيراً إلى تركيزه خلال سنوات عمله على ضمان استدامة المهرجانات والأنشطة الثقافية عبر تثبيتها بقرارات من مجلس الوزراء لتأمين ميزانيات سنوية لها.
وأضاف «اعتمدت على مؤسسات المجتمع المدني باعتبارها شريكاً أساسياً، فلا يمكن لأي مؤسسة حكومية أن تنجح من دون إشراكه».
«المنهج الإداري»
بدوره، تناول المشارك أحمد ياغي محور المنهج الإداري، حيث أوضح اليوحة، أن منصب الأمين العام لم يكن وظيفة إدارية بحتة، بل غرفة عمليات تتطلب تجاوز البيروقراطية أحياناً والتضحية بالوقت والالتزامات الاجتماعية.
وتطرق إلى تطوير مركز جابر الأحمد في فيلكا للتنقيب، موضحاً أنه تم توسيع فرق التنقيب وزيادة عدد البعثات السنوية، مع إلزامها بإصدار دراسات علمية، تُرجمت سبع منها إلى اللغة العربية، ما استدعى إنشاء مقر أكبر يستوعب بعثتين في الوقت ذاته.
وأشار إلى أهمية حماية مصالح الكويت في مواجهة فرق التنقيب الأجنبية، مؤكداً أن العقود الواضحة أسهمت في إصدار ثمانية كتب علمية حول الاكتشافات الهيلينستية والإسلامية وغيرها، مشيراً إلى صعوبة تحقيق التوازن بين الحفاظ على أصالة المواقع الأثرية وتهيئتها للزيارة.
«تأهيل الكوادر»
وفي إجابته عن أسئلة الدكتورة منيرة سعد السلطان، شدّد اليوحة، على أن استشراف المستقبل مرتبط بفهم الواقع الحالي في التعليم والثقافة والصحة، مؤكداً أن تكرار الحديث عن «الاستراتيجية» يستوجب وجود خطط واضحة وأدوات تنفيذية تُحاسَب عليها مؤسسات الدولة.
مؤكداً أن الحفاظ على الهوية الوطنية يحتاج إلى استراتيجيات طويلة المدى، تُنفّذ عبر مراحل زمنية واضحة، وتخضع لرقابة مستمرة، إلى جانب مجتمع متعلم يمتلك الحد الأدنى من الوعي والمعرفة.