كمبيوتر الداخلية.. العم عبدالله محمد الطيار

16 ديسمبر 2025 10:00 م

- الراحل سالم صباح السالم عرّف الراحل الشيخ زايد عليه بهذا اللقب.. «هذا الرجل كمبيوتر»
- الإخلاص والتفاني في العمل وسام شرف يُلاحق بالسمعة الطيبة صاحبه مهما امتدّت السنون
- ذاكرته اختزنت الملفات مثل الكمبيوتر.. وفراسته كانت لا تخطئ في كشف المُزوّرين
- قضايا عديدة فتح ملفاتها في السبعينات.. وبعد 40 عاماً وأكثر ثبت صدق حدسه

الإخلاص والتفاني في العمل يبقى خالداً لا يُنسى، ويظل وسام شرف وتميّز يلاحق صاحبه بالسمعة الطيبة والذكر الحسن مهما امتدّ الزمن. فلا يُذكر صاحب الأيادي البيضاء والإخلاص إلا بالخير، ويظل نموذجاً يُحتذى به في العمل لأقرانه اللاحقين له على مرّ السنين. ومهما غابت الحقيقة، سيأتي يوم يعرفها فيه الجميع، فالتاريخ يحفظ لكل مستحق مكانه ومكانته.

النقيب عبدالله الطيار... اسمٌ عرفه الكويتيون في سبعينات القرن الماضي، عرفوه بمثابرته وعمله وجدّه واجتهاده، وإخلاصه في العمل والتفاني في الأداء وعمل الواجب حتى لولم يصل إلى النتيجة المبتغاة. لكن الجيل الجديد، الذي لم يكن يعرف هذا الرجل، تعرّف عليه في الشهور الأخيرة بعد أن تكرّر ذكره بالخير والتقدير والامتنان مراراً. فما الحكاية؟

تنفيذاً للتوجيهات السامية بحفظ الهوية الوطنية الكويتية، تحرّكت الجهات ذات الصلة في الدولة لتنقية هذا الملف من الزيف والتدليس والعبث وسوء الاستغلال ومن كل ما اعتراه من شوائب. وأولى الجهات المتحركة كانت إدارة مباحث الجنسية، التي مثلما فتحت الملفات الحديثة، فتحت كذلك الملفات القديمة والتحقيقات التي ظلّت، لأسباب متعددة، حبيسة الأدراج ثم الخزائن والمخازن لعشرات السنين، فضلاً عن فتح ملفات جديدة بناءً على معطيات ومؤشرات متعددة تثير الشكوك.

«الراي» نقلت أكثر من مرة، خلال متابعتها الحثيثة والدائمة، ملف التزوير الذي طال الهوية الوطنية، ونقلت من القصص والحكايات ما يفوق الوصف والخيال، ولا يخطر على بال إنسان. ومثلما نقلت ذلك، فقد نقلت «الراي» أيضاً، مراراً، إشادات الرجال الذين تصدّوا لهذا الملف، بدءاً من النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف، مروراً برجال وقيادات مباحث الجنسية والإدارة العامة للجنسية بالنقيب عبدالله الطيار، الذي ثبت، من خلال فتح العديد من الملفات التي كان قد فتحها قبل عشرات السنين ثم أُغلقت لسبب ما أو أُهملت أو نُسيت، أنها كانت سليمة وتعكس حدساً كبيراً لهذا الرجل وتفانياً عظيماً وجهداً لا يوصف جمع عبره المعلومات وأجرى التحقيقات في زمن كان البحث فيه بالغ الصعوبة، حيث لا ربط إلكترونياً بين الجهات الحكومية، ولا قواعد بيانات موحّدة عبر أجهزة الحاسوب، ولا أجهزة وتقنيات إلكترونية تضاهي البصمات والصور، ولا فحوصات طبية جازمة كفحوصات البصمة الوراثية التي تثبت اليوم حجم الجهود والاستدلالات التي بذلت قبل عشرات السنين من رجال أوفياء صانوا العهد وراعوا الضمير المهني والضمير الوطني، لتأتي اليوم في ظل هذه القفزات التقنية تأكيدات على سلامة تلك الإجراءات في ظل كل الصعوبات قبل عشرات السنين.

مقرّبون من العم عبدالله محمد الطيار ينقلون لـ«الراي» كيف حمل لقب «كمبيوتر الداخلية». ويقولون إن من أطلق هذا اللقب على النقيب عبدالله الطيار هو الشيخ سالم صباح السالم، رحمه الله، الذي تولّى حقيبة «الداخلية» وحقائب وزارية أخرى في عدة حكومات كويتية.

وفي إحدى زيارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وعندما عرّف الشيخ سالم صباح السالم، رحمه الله، بالنقيب عبدالله الطيار، قال له: «هذا الرجل كمبيوتر متنقل... هو كمبيوتر الداخلية المتنقل»، في إشارة إلى كثرة ما تختزنه ذاكرته من قضايا وتفاصيل، وكأنها ملفات منظّمة داخل جهاز كمبيوتر.

والنقيب عبدالله الطيار لم يكن مجرد صاحب عقلٍ قادر على اختزان المعلومات، حتى حمل لقب «كمبيوتر الداخلية» بجدارة، بل كان معروفاً أيضاً بفراسته وحدسه وبعد نظره، في زمنٍ ما قبل الفحوصات الجينية والبصمة الوراثية (DNA).

ويذكر من عملوا معه كيف كان، إذا عُرض عليه المزورون وأبناؤهم المزيفون، قادراً على استنباط أنهم ليسوا أبناءهم من صلبهم، وسرعان ما كانوا يعترفون بما اقترفوه من زيف في ملفات الجنسية، عبر إضافة من ليسوا أبناءهم إلى تلك الملفات.

جزى الله العم عبدالله محمد الطيار كل خير على جهوده المخلصة التي بذلها على مرّ السنين، وهي درسٌ حاضر اليوم أمام جميع العاملين في الدولة، إن كان في القطاعات الأمنية أو غيرها، بأن الإخلاص في العمل فضيلة، وهذه الفضيلة تحفظها الأيام والسنون لأصحابها.