أكدت أبحاث رائدة أن قشرة كوكب الأرض تحتوي على احتياطيات هائلة من الهيدروجين الطبيعي، الملقب بـ«الهيدروجين الذهبي»، يمكن أن توفر للبشرية طاقة نظيفة لعشرات الآلاف من السنين.
وكانت قصة هذا الاكتشاف المذهل قد بدأت في العام 1987، عندما أشعل عامل سيجارة بالقرب من بئر مياه جديدة في قرية بوراكيبوغو في مالي، وهو ما تسبب في انفجار داخل البئر بسبب سحب هيدروجين قابلة للاشتعال كانت تنبعث من خزان غاز تحت الأرض.
وفي العام 2011، أعادت شركة «بيتروما» (التي أصبحت لاحقاً «هيدروما») فتح البئر لفحص إمكانية استخراج الهيدروجين للربح.
وبحلول العام 2012، طورت الشركة البئر لتوليد الكهرباء لقرية بوراكيبوغو، التي لاتزال تعتمد على هذا الهيدروجين للطاقة حتى اليوم، وهو ما يجعله أول بئر هيدروجين منتج في العالم وحتى الآن الوحيد.
ويُعد الهيدروجين مصدراً نظيفاً للطاقة عند مزجه مع الأكسجين في خلايا الوقود، حيث يولد الكهرباء من دون انبعاثات غازات دفيئة، مع الحرارة والماء فقط كمنتجات ثانوية.
ومن المتوقع أن يرتفع الطلب عليه خمسة أضعاف بحلول العام 2050 لإنتاج الإلكترونيات الدقيقة وإمداد الصناعة وتشغيل المركبات والمباني، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
وظل العلماء يعتقدون لفترة طويلة أن الهيدروجين لا يتراكم داخل قشرة الأرض بالطريقة ذاتها التي يتراكم بها الوقود الأحفوري، نظراً لأنه أخف من الهواء وشديد التفاعل، لكن الاكتشاف في مالي إلى جانب اكتشافات حديثة أخرى قلب هذا المفهوم تماماً، هو ما دفع شركات استكشاف الموارد إلى التسابق لإيجاد خزانات الهيدروجين الطبيعي.
وتشير تقديرات جديدة إلى أن قشرة الأرض القارية أنتجت ما يكفي من الهيدروجين خلال المليار سنة الماضية لتلبية احتياجات المجتمع الحالية من الطاقة لمدة 170 ألف عام.
وفي العام 2024، حسب جيوفري إليس، عالم الجيوكيمياء البترولية في هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، أن الكوكب يحتوي على 6.2 تريليون طن (5.6 تريليون طن متري) من الهيدروجين، وهو ما يعادل 26 ضعف كمية النفط المعروف المتبقية في الأرض.
ولتكوين خزان هيدروجين، يجب توفر ستة شروط جيولوجية أساسية، وفرة المياه الجوفية، وصخور منتجة للهيدروجين (مثل الصخور الغنية بالحديد)، ودرجات حرارة عالية جداً تتراوح بين 250 و300 درجة مئوية، وصخور خازنة مسامية، وختم غير منفذ لحبس الغاز، ونشاط ميكروبي ضئيل. وتتواجد هذه الظروف في جميع القارات، وفقاً للخبراء.
وفي يناير من العام الحالي، نشر إليس وزملاؤه خريطة تُظهر الأماكن المحتملة لوجود خزانات الهيدروجين في 48 ولاية أميركية، مستخدمين بيانات إشارات الجاذبية والمغناطيسية لتقدير تركيب الصخور في قشرة الأرض. وحالياً، تقوم شركات الهيدروجين بحفر آبار استكشافية في منطقة «الصدع القاري الأوسط»، حيث كادت أميركا الشمالية أن تنقسم قبل مليار عام.
ويمكن للهيدروجين الطبيعي أن يقلل الانبعاثات عبر مجموعة واسعة من القطاعات، مثل تصنيع الأسمدة. لكن الخبراء يؤكدون أن الهيدروجين الطبيعي وحده لن يحل أزمة المناخ، بل يجب أن يكون جزءاً من إستراتيجيات متعددة لمعالجة المخاطر البيئية.