لم يعد خافياً علينا أن مهنة التمريض في الكويت تعاني اليوم من غياب الدعم الحقيقي رغم أنها تمثل العمود الفقري لأي نظام صحي متكامل. ذلك «الترند» الذي رافق الجائحة ورفع من مكانة المهنة بشكل غير مسبوق، بدأ يتلاشى تدريجياً، وكأن الأزمة انتهت فانتهى معها الاهتمام والعرفان. ومع الأسف، ما كان يُتوقع أن يتحول إلى نقطة انطلاق نحو تعزيز المهنة وتطويرها، عاد ليتلاشى وسط روتين الإهمال المزمن. نعم هناك إقبال كبير على دراسة التمريض والانخراط فيها إلا أن الاهتمام بتطويرها علمياً وعملياً ليس بكاف.
الأدهى من ذلك أن الرؤية، بكل ما حملته من طموحات مستقبلية، لم تُشر إلى مهنة التمريض إلا في أسطر معدودة، رغم أن تطوير منظومة صحية عصرية لا يمكن أن يتحقق دون تمكين التمريض وتطوير كوادره المهنية والأكاديمية.
ولم يقف الأمر عند غياب الدعم المؤسسي، بل شهدنا خلال السنوات الأخيرة تسابقاً محموماً من جهات ليست من أهل المهنة لمحاولة تبني التمريض، سواء في التعليم أو في الممارسات العملية وعلى أرض الواقع، ما أدى إلى تقديم صورة سطحية وشاملة في الوقت نفسه، تخلو من الفهم الحقيقي لخصوصية وتحدّيات المهنة. وفي المقابل، ازدادت هيمنة المهن الطبية على التمريض، وكأننا عدنا إلى المعادلة القديمة التي تضع التمريض في المرتبة الثانية، رغم أن العالم تجاوز هذه النظرة منذ عقود.
كثيرون من أبناء المهنة ظنّوا، ولو لوهلة، أن التمريض في الكويت «غدا شره»، وأنه مقبل على مرحلة نهضة وتنافس حقيقي مع بقية المهن الصحية المساندة. لكننا وجدنا أنفسنا نعود إلى نقطة الصفر، نصعد الجبل بشغف وإصرار، ثم نسقط مرة أخرى، لنعاود المحاولة. ولسنا هنا لنُحبط أبناءنا وزملاءنا الذين يحملون راية المهنة بكل فخر، بل لنقول الحقيقة كما هي:
إن التجاهل المستمر لأهمية التمريض، بدأ ينعكس سلباً على الحلم الذي لطالما سعينا إليه... حلم الارتقاء بالمهنة ووضعها في موقعها المستحق.
هكذا وجد التمريض نفسه «ضاع بين حانا ومانا»؛ بين جهات تتسابق لتبنّيه إعلامياً دون معرفة حقيقية بطبيعة المهنة، وبين من يهمّشون دوره عند التخطيط ووضع الرؤى المستقبلية. لقد ضاع بين «حانا ومانا»، وضاعت معه آمالنا التي تعبنا على بنائها.
ومع ذلك، سنظل نحاول، وبقوة أكبر، أن نرفع راية التمريض عالياً، مهما كانت الرياح معاكسة.