رأي قلمي

مطلوب من كل أحد لكل أحد...!

13 ديسمبر 2025 10:00 م

البشر على اختلاف انتماءاتهم يشتركون في الكثير من المفردات الثقافية، ويختلفون في العديد منها على ما هو معروف ومشهور، والثقافة هي كل ما يكتسبه الإنسان من خلال العيش في مجتمع، أي إن الثقافة لا تنتقل من جيل إلى جيل آخر عبر المورّثات الجينية، وإنما عبر التعلم والاحتكاك والمعايشة، وإن العناصر الأساسية لثقافة أي مجتمع تتجسد في المعتقدات والأعراف والعادات والتقاليد والنظم وطرق التفكير وقواعد السلوك، ومحددات ما هو مقبول، وغير مقبول، وما هو لائق وغير لائق، إلى جانب طرق التعبير عن الاحترام والفرح والحزن والغضب...

ومن الثقافات التي يشترك فيها البشر، «ثقافة العدل» ومن أهم سماتها، الشمول والعموم، حيث إن الاستثناء من العدل لأي حالة أو شخص يعني ضرب المنظومة كلها، وإحداث ثغرة في الموقف الأخلاقي من الظلم، وقد دلت التجربة الإنسانية مع قضايا العدل والعدالة على أن الناس يحبون العدل بالمطلق، لكن كثيراً منهم لا يحبون العادلين، يحبون العدل ما دام يصب في مصالحهم، ويحفظ حقوقهم، لكنه إذا أضر بهم فإن الغالبية تتهم من يقضي بالعدل، بسوء فهم القضية أو بعدم الدقة في الحكم والشهادة، في الحقيقة أن من أكثر مسائل العدل حساسية، العدل مع الأعداء والخصوم.

القرآن الكريم يأمر المسلمين بأن يكونوا عادلين في أحكامهم، وأن يؤدوا الشهادة على وجهها بقطع النظر عن المشهود له، إن عليهم أن يشهدوا بالحق ولو كان في تلك الشهادة أذى أو ضرر على النفس أو أقرب الأقرباء، ويقول سبحانه في العدل مع الخصوم والأعداء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}. (المائدة 8)، إنه أمر صريح وواضح من الله تعالى لعباده المؤمنين بأن يقوموا بكل حق يلزمهم القيام به، وأن يشهدوا بالعدل، ونهاهم عن أن يحملهم بغضهم لشخص أو قوم على ترك العدل، لأن العدل هو قوام الوجود الإنساني، وهو مطلوب من كل أحد لكل أحد في كل حال وظرف.

إن مجاهدة النفس من أجل الالتزام بالعدل، تعبّر بوضوح عن إخلاص المرء وصدقه وعزيمته، وعن خروجه من دائرة نفسه ومصالحه الشخصية إلى مراعاة حقوق الآخرين ومصالحهم، وهذا أحد الدلائل الكبرى في الحياة الاجتماعية الكريمة والهادئة.

[email protected]

mona_alwohaib@