لودريان في بيروت على وهج مفاوضاتها «ما فوق العسكرية» مع تل أبيب

لبنان يَسعى لتمديد «فترة السماح» وإحباطِ لعبِ إسرائيل «على الحبلين»

8 ديسمبر 2025 10:00 م

- الراعي: نحن في زمن التفاوض... وفَجْرُ السلام حطّ رحاله في لبنان بعد زيارة البابا
- السفير الأميركي: إسرائيل تفصل بين عملياتها العسكرية ومفاوضات «الميكانيزم»

تشهد بيروت حركةً دبلوماسيةً مكثفةً في ملاقاةِ الدينامية الجديدة التي أوْجَدها قرارُ لبنان برفْع مستوى تمثيله في لجنة الإشراف على تطبيق اتفاق وقف الأعمال العدائية مع إسرائيل إلى «رتبة دبلو - مدنية» عبر السفير السابق لدى واشنطن سيمون كرم.

وفيما بدا واضحاً أن الخطوة التي أقدم عليها رئيس الجمهورية العماد جوزف عون بتنسيقٍ مع رئيس الحكومة نواف سلام وتشاور مع رئيس البرلمان نبيه بري، كانت أشبه بالحجر الذي حرّك مياهً راكدةً كانت تشي بهدوء ما قبل «عاصفة النار» وأرجأ تالياً الخيارَ العسكري الذي أوحت تل أبيب بأنه كان «قاب قوسين أو أدنى»، فإنّ مساراً دبلوماسياً موازياً، أميركياً وفرنسياً، ارتسم في بيروت وباتجاهها، ساعياً إلى:

- تذكير لبنان بأنّ تعزيزَ «الميكانيزم» لا يَعني بأي حال «تصفيح» الأرضية العسكرية الشديدة الهشاشة ومنْع انهيارها مرة جديدة، رغم الأهمية الكبيرة لهذا التطور الذي شكّل أول ملامح «إدارة ذكية» من «الدولة» بقيادة عون للمَخاطر التي تحدق بالبلاد وحركةً بدت أقرب إلى «استباق اسرائيل بخطوة» وإرباكها في مخطّطاتها التي باتت أقله حتى نهاية ديسمبر on hold ما لم يَطرأ تَطورٌ مُباغِت يشعل الوضع قبل هذا الموعد.

- التأكيد أن تجديدَ «فترة السماح» للبنان ينبغي أن يترافقَ مع تفعيل أكبر لعملية سحب سلاح «حزب الله» التي تبقى «القفل والمفتاح» لباب «الحرب الأخيرة» التي تُعِدّ لها اسرائيل على مختلف المستوياتِ وتوحي بأنها حتمية ما لم تنفّذ بيروت التزامَها بتفكيك ترسانة الحزب جنوب الليطاني وشماله، ساعية إلى «توحيد التوقيت» بينها وبين واشنطن بحيث تكون نهاية السنة «مهلة الإسقاط» وبعدها «السلام بالقوة».

ويقارب لبنان من هذه الزاوية الأهميةَ الاستثنائية لزيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن ولقائه المرتقب مع الرئيس دونالد ترامب في 29 الجاري، وسط رصْدٍ مزدوج:

أولاً لِما إذا كان الاجتماع الثاني لـ «الميكانيزم المعزَّزة» بعد 10 أيام سيَحمل تَطَوراً ما وتحديداً من جانب تل أبيب بحيث تُعطي لبيروت ولو إشاراتٍ تتيح «تحصينَ» خيار التفاوض في شَكله المدني - الدبلوماسي غير المسبوق منذ أكثر من 4 عقود الذي سلّم به لبنان الرسمي على وهج الحرب التي كانت «تُقرع طبولها» وبوصفه «الخرطوشة الأخيرة» لمحاولةِ فرْملتها وإعطاء فرصةٍ لتحصيل مكاسب من اسرائيل «على البارد» في ما خص وقف الاعتداءات والانسحاب وإطلاق الأسرى.

وثانياً هل ستَبْقى تل أبيب على تَشَدُّدها و«اللعب على الحبليْن» الدبلوماسي - المحمَّل بأثقال اقتصادية وتطبيعيةٍ - والعسكري، على قاعدة الفصْل بين المساريْن ووضْع رفْعِ لبنان مستوى التمثيل في «الميكانيزم» في جيْبها باعتباره من أدوات ترسيم مرحلة «اليوم التالي» للحرب، بالتوازي مع اعتمادِ «التفاوض تحت النار» في إطار الضغط على «بلاد الأرز» لإنجاز سحب سلاح «حزب الله» خلال أسابيع قليلة وإلا تَوَلّتْ المَهمة بنفسها، موحية بأنّ ثمة تَفَهُّماً ما لم يكن تَفاهُما على ذلك مع الولايات المتحدة.

وعلى وقع تقديراتٍ بأن لبنان سيسعى إلى جعل الفترة الفاصلة عن 31 ديسمبر فسحةً لإنهاء الجيش مَهمة تنظيفِ جنوب الليطاني من الوجود العسكري لـ «حزب الله»، علّ ذلك يسلّف ترامب ورقة إضافية لتمديدٍ جديدٍ لمهلةِ السماح والضغط على نتنياهو لإعطاء «شيء ما» لبيروت يساعدها في تدشين مرحلة شمال الليطاني، خصوصاً إذا كانت المرحلة الثانية من خطة غزة سلكت طريقَها، فإنّ المَخاوفَ لم تَهدأ من كيفية تفكيك «الصاعق» المقابل للمخططات الاسرائيلية الذي يشكّله إصرار «حزب الله» على رَفْضِ مبدأ تسليم سلاحه خارج حوار داخلي حول إستراتيجيةٍ دفاعية.

على أن أوساطاً سياسية اعتبرت أن «الربطَ الإيجابي» للبنان، بتعيين كرم، مع الضغوط الأميركية على نتنياهو لخفض منسوب «سلبيته» ونزْعته العسكرية في المنطقة، حَمَل عنصراً «حَمائياً»، إذ شكّل لـ «الدولة اللبنانية» بالحدّ الأدنى مظلةً واقيةٍ من تشظياتِ أي جولة قتال جديدة يبقى تبديدها مرتبطاً واقعياً بخطوة «خارقة» للتحصينات السياسية «الموصولة» بإيران والتي «يمترس» خلفها «حزب الله» لرفْض تسليم سلاحه من خارج مقتضيات ما يرسمه «المحور الإيراني» ويُرسم له.

من هنا، شخصت الأنظار الإثنين، على حركتيْ الموفد الرئاسي الفرنسي جان - إيف لودريان الذي وصل إلى بيروت والتقى عون الذي يقوم الثلاثاء والأربعاء بزيارةٍ رسمية لسلطنة عُمان، كما السفير الأميركي في بيروت ميشال عيسى الذي باشر زيارات تعارُفية.

وإذ اكتسبتْ زيارةُ لودريان أهمية إضافية وسط تقارير في بيروت عن استعداد باريس لاستضافة اجتماعٍ أميركي - فرنسي - سعودي في 18 الجاري يشارك فيه أيضاً قائد الجيش العماد رودولف هيكل، فإن لقاءات عيسى لم تقلّ دلالة في ضوء ما تَكشَّفَ عن مضامينها.

«كسر الجليد»

وقد التقى عيسى وزير الخارجية يوسف رجي، ووصف اللقاء بأنه «ممتاز»، مستغرباً «الضجة المثارة بشأن اجتماع الميكانيزم»، معتبراً أن «هدفه كسر الجليد وأن أحداً لم يكن يتوقع أن يؤدي الاجتماع الأول إلى السلام، إذ أن ما يهمّ هو التقاء الطرفين تمهيداً لعرض مطالب كل منهما على الطاولة في المستقبل».

وأوضح أن«إسرائيل لا تربط بين عملياتها العسكرية في لبنان ومسار المفاوضات غير المباشرة التي تَجري تحت مظلة الميكانيزم، وأنها لن توقف ما تقوم به».

وأشار إلى أن «الاتصالات جارية لحصول زيارة قائد الجيش اللبناني لواشنطن» بعدما ألغيت لقاءاته التي كانت مقرَّرة في الولايات المتحدة قبل نحو 3 أسابيع وتالياً «طارت» المحطة، معرباً عن اعتقاده أنّ «الزيارة ستتم».

وقال «الأمور تصبح أوضح بالنسبة لهذه الزيارة ولكن لا شيء محدّداً حتى الآن».

وشدد عيسى على «الدعم الأميركي للمؤسسة العسكرية»، مؤكداً أن«البحث لا يزال جارياً بشأن المؤتمر المرتقب عقده لدعم الجيش إلا أن موعده لم يتحدد بعد».

بعدها تناول السفير الأميركي مع وزير الداخلية أحمد الحجار «الإجراءات الإصلاحية التي تقوم بها وزارة الداخلية على مختلف الصعد، والتحضيرات لإنجاز الاستحقاق الانتخابي النيابي المقبل».

الراعي و... جوّ السلام

في موازاة ذلك، أكد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بعد لقاء عون «إننا في زمن التفاوض وفَجْرُ السلام حطّ رحاله في لبنان بعد زيارة البابا ليو الرابع عشر».

وهنّا الراعي رئيس الجمهورية «بزيارة قداسة البابا ونتائجها الجيدة والملموسة، وعلى تعيين السفير السابق سيمون كرم في لجنة الميكانيزم» والمهمة الموكلة اليه.

وأضاف: «من الجيد أن المفاوضات تحصل، لأنها على الأقل تبقى أفضل من الحرب، ولا سيما بعد تعيين السفير كرم الذي يحظى بثقة دولية بشخصه، وهذا نقرأه على أنه من نتائج قداسة البابا، فنحن في زمن سلام وعلينا ان نعيشه، وهو ما يشكل فرحة للبنانيين، فعهد الحرب والنزاعات والصدامات قد ولّى، وبدأ عهد الجلوس والتفاوض معاً وهو أمر مدعوم دولياً».

وتابع «لا أعلم لماذا لا تزال إسرائيل تهدد بالحرب، فالاميركيون قادرون و«يمونون»عليها كما يبدو، وقبولهم بالمفاوضات علامة جيدة (...) لا خوف لديّ من اندلاع حرب، لان اللغة حالياً هي لغة التفاوض والدبلوماسية والسياسة وليس لغة الحرب التي لا يريدها أحد، خصوصاً ان الجيش اللبناني يقوم بالمهام الموكلة اليه (...) ونحن من جهتنا، نعتبر السفير كرم شخصية ممتازة للمفاوضات».

دَعْم روسي لموقف لبنان بالتفاوض عبر «الميكانيزم»

أعلنتْ روسيا دَعْمَها موقف لبنان في ما خصّ «التفاوض عبر لجنة الميكانيزم».

ونقل السفير الروسي ألكسندر روداكوف إلى الرئيس جوزف عون دعم بلاده «للمواقف التي اتّخذها مع الحكومة، ولا سيما في ما خص التفاوض عبر لجنة الميكانيزم»، مؤكداً «ثبات الموقف الروسي في مجلس الامن الى جانب القضية اللبنانية، وهو ما عبّر عنه المندوب الروسي الذي رافق بعثة سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن خلال زيارتهم لبيروت نهاية الأسبوع».

كما أكد السفير الروسي «أهمية حصول زيارة رسمية لرئيس الجمهورية لموسكو في أقرب وقت بهدف التداول في الأوضاع الراهنة في لبنان والمنطقة، وتعزيز العلاقات الثنائية».