عرضان أشعلا المنافسة مبكراً في «الكويت المسرحي 25»

«كود ليرا» الهروب إلى التقنية... و«تجمعنا قهوة» مع المؤثر الحقيقي

6 ديسمبر 2025 10:00 م

فيما دشّنت مسرحية «كود ليرا» لفرقة شركة «فرانكو أراب» للإنتاج الفني، عروض الدورة الخامسة والعشرين لمهرجان الكويت المسرحي، لتضيء على هشاشة البشر أمام الذكاء الاصطناعي، جاءت مسرحية «تجمعنا قهوة» لفرقة المسرح الشعبي، محملة بالرسائل والعناوين، حول الصراع بين الثقافة الجادة والتسطيح الزائف، ليشعل العرضان المنافسة مبكراً في المسابقة الرسمية للمهرجان.

«العالم الموازي»

وطرحت «كود ليرا» للكاتب سعيد محمد سعيد، تساؤلاتٍ عدة، حول مدى لجوء الإنسان إلى التقنية هرباً من جراحه؟... ومن هذا السؤال بدأت الحكاية التي تابعت حياة الدكتور «آدم»، العالم الذي يعيش في عزلة وصراعات نفسية ناتجة عن ماضيه العائلي المؤلم، فيشيّد عالماً موازياً عبر ابتكاره «ليرا» الروبوت الذي يصبح مرآته وصدى وحدته.

ونجح النص، المستوحى من «أسطورة بجماليون»، في بناء حكاية ذات بعد إنساني عميق، فالمؤلف لم يتعامل مع الذكاء الاصطناعي كأداة متطورة، بل كقوة قادرة على إعادة تشكيل الهوية والعلاقات من خلال شخصية «آدم» بوصفها نموذجاً للإنسان المكسور الذي يتوه بين خوفه وعواطفه، و«ليرا» التي تصطدم معه في بعض المواقف.

السرد كان متوازناً ومحكماً في خطوطه الأساسية، لكن قوته كانت تكمن في اللحظات النفسية التي واجه فيها «آدم» ماضيه واعترافه بضعفه، هذه المواجهة كشفت هشاشة البشر أمام تغلغل الذكاء الاصطناعي في مجالات الحياة كافة.

وقد برزت بصمة المخرج الدكتور مشعل السالم في خلق فضاء بصري يوازي عمق النص، إذ اعتمد على سينوغرافيا مزجت بين الظلال والضوء والفراغ، فأظهر المختبر كعالم يخلو من الدفء العاطفي، ونجح في إبراز العلاقة بين الإنسان والآلة في المشاهد التي تتقاطع فيها إنسانية «آدم» مع برمجة «ليرا».

وفي ما يتعلّق بأداء الممثلين، فقدم عثمان الصفي شخصية «آدم» بتمكن واضح، وبأداء اعتمد على الانفعال الداخلي أكثر من الاستعراض الخارجي.

أما بيهانا جمال كنعان في دور «ليرا»، فقدمت أداء مميزاً وتماهت مع الجسد المعدني الذي تقمصته، في حين ظهر فراس عبدالعزيز السالم بأداء جميل ساهم في المضي بالأحداث نحو ذروتها.

«المؤثر الحقيقي»

وفي ثاني عروض المهرجان، طرحت مسرحية «تجمعنا قهوة» سؤالاً محورياً حول «من هو المؤثر الحقيقي»؟، لتُلّمح إلى أن الشهرة في مواقع «السوشيال ميديا» لا تعني بالضرورة التأثير الحقيقي، فالكثير من مشاهير المنصات يقدمون محتوى سطحياً أو صادماً بلا قيمة، ويكتسبون المتابعة لمجرد الإثارة أو كسر العادات، بينما يغيب عن الواجهة أصحاب الفكر والثقافة الذين يشكّلون جوهر النهضة المجتمعية.

المسرحية، التي ألّفتها تغريد الداود وأخرجها نصار النصار، وشاركت بها مجموعة من أبرز الفنانين مثل جاسم النبهان وخليفة خليفوه وعبير الجندي، تنتقل بين الماضي والحاضر لتظهر الفارق بين مؤثر مزيف وآخر حقيقي.

كما استعادت أجواء المقاهي القديمة التي احتضنت الأدباء والمثقفين، وأظهرت دور الثقافة والفنون في تشكيل الوعي، كما أضاءت على قضايا المرأة وحقوقها، واستحضرت التراث وأغاني أم كلثوم.

وجاء الإخراج منسجماً مع الفكرة عبر حركة ديناميكية تنتقل بسلاسة بين الأزمنة، مدعومة بديكور المقهى والسينوغرافيا والإضاءة والعرض المرئي والأزياء، ما خلق عالماً مسرحياً متكاملاً. ونجح الممثلون في تجسيد أدوارهم بإتقان، خصوصاً جاسم النبهان ورفاقه الذين أضفوا عمقاً إنسانياً على العمل.

وركّزت المسرحية على أثر المقاهي الشعبية عبر الزمن ودورها في تشكيل الفكر الاجتماعي والسياسي، مشددة على أهمية الثقافة المشتركة في مواجهة التفكك الذي تصنعه بعض ممارسات التواصل.

وكانت عروض المهرجان انطلقت في الرابع من شهر ديسمبر الجاري على مسرح الدسمة، وتستمر حتى الأربعاء المقبل، تمهيداً لإعلان الفائزين في الحفل الختامي المزمع إقامته مساء الخميس.