كشفت مجموعة بحثية تضم عالماً من «معهد علوم الأرض والحياة» (ELSI) في «معهد طوكيو للعلوم» في اليابان عن مبدأ بيولوجي جديد يصف رياضياً سبب تباطؤ النمو مع ارتفاع مستويات المغذيات، وهي ظاهرة تُعرف بـ«قانون تناقص العوائد».
وعلى مدى عقود، حاول علماء الأحياء فهم كيف تنمو الكائنات الحية في ظل ظروف مغذيات مختلفة. فالميكروبات والنباتات والحيوانات كلها تعتمد على المغذيات والطاقة والآلات الخلوية، ومع ذلك فإن معظم الدراسات تفحص فقط المغذيات الفردية أو التفاعلات الكيميائية الحيوية المعزولة.
وقد ترك هذا النهج مسألة أكبر من دون حل، إذ كيف يعمل العديد من العمليات الخلوية المتفاعلة معاً للسيطرة على النمو عندما تكون الموارد محدودة؟ وللإجابة عن هذا السؤال، اكتشف الباحثون اليابانيون مفهوماً جديداً موحداً يصف كيف تدير جميع الخلايا الحية النمو في ظل قيود الموارد، ويقدم عملهما ما يسمونه «مبدأ القيد العالمي لنمو الميكروبات»، وهو إطار عمل قد يعيد تشكيل كيفية فهم العلماء للأنظمة البيولوجية.
• تحدي «معادلة مونود»:
على مدار ما يقرب من ثمانين عاماً، استخدم علماء الأحياء الدقيقة «معادلة مونود»، التي طُورت في الأربعينيات من القرن الماضي، لوصف كيف يستجيب نمو الميكروبات لزيادة المغذيات، وتتنبأ المعادلة بأن النمو يرتفع مع توفر المغذيات وفي النهاية يتسطح، ولكنها تستند إلى افتراض أن مغذياً واحداً أو تفاعلاً واحداً فقط يحد من النمو.
في الواقع، تعتمد الخلايا على آلاف من العمليات الكيميائية التي تستمد من المجموعة المحدودة نفسها من الموارد.
ويجادل الباحثون بأن «معادلة مونود» تعكس جزءاً واحداً فقط من نظام أوسع بكثير، فبدلاً من التركيز على تفاعل واحد، يتخذ «مبدأ القيد العالمي» نهجاً مختلفاً، فهو ينظر إلى القيود المتعددة التي تواجهها الخلية في الوقت نفسه، ويفحص كيف تتفاعل هذه القيود للتحكم في النمو بشكل عام، ويتضمن هذا المبدأ مفاهيم من الكيمياء والفيزياء والبيولوجيا، بما في ذلك قانون «Liebig» للحد الأدنى، الذي ينص على أن النمو يتحدد بالمورد الأكثر ندرة، ومبدأ «Pareto Optimal»، الذي يشير إلى مقايضة الكفاءة.
• التحقق التجريبي:
لاختبار أفكارهم، أنشأ الباحثون نماذج كمبيوتر مفصلة لبكتيريا الإشريكية القولونية (E. coli). وتضمنت هذه النماذج تفاصيل حول كيفية استخدام الخلايا للبروتينات، ومدى ازدحامها في الداخل، والحدود الفيزيائية لأغشيتها. وتنبأت عمليات المحاكاة بدقة بتباطؤ النمو الذي لوحظ مع إضافة المغذيات، وأظهرت كيف أثرت مستويات الأكسجين والنيتروجين على النتائج. وأكدت التجارب المعملية أن توقعات النموذج تطابقت مع السلوك البيولوجي الحقيقي.
ومن أهم الآثار والتطبيقات:
• الإنتاج الصناعي: يمكن أن يساعد في تحسين إنتاج الميكروبات في الصناعة.
• الزراعة: زيادة غلة المحاصيل من خلال تحديد المغذيات المحددة بدقة.
• البيئة: توجيه التنبؤات باستجابات النظام البيئي في ظل المناخات المتغيرة.
• الطب: فهم كيفية استجابة الكائنات الحية المسببة للأمراض للمضادات الحيوية والعلاجات الأخرى.
وكتب الباحثون: "يضع عملنا الأساس لقوانين عالمية للنمو. من خلال فهم الحدود التي تنطبق على جميع الأنظمة الحية، يمكننا التنبؤ بشكل أفضل بكيفية استجابة الخلايا والنظم البيئية وحتى الغلاف الحيوي بأكمله للبيئات المتغيرة»، ويوفر هذا المبدأ إطاراً يوحد العديد من جوانب علم الأحياء، من دون الحاجة إلى نمذجة كل جزيء أو تفاعل بالتفصيل.
• من الميكروبات إلى النظم الإيكولوجية: من خلال ربط علم الأحياء الدقيقة بالنظرية البيئية، تتخذ هذه الدراسة خطوة كبيرة نحو أساس عالمي لفهم حدود نمو الحياة، ويقدم الاكتشاف منظوراً جديداً للنظر إلى النمو عبر جميع أشكال الحياة، فمن خلال الجمع بين مبادئ مختلفة، يشرح «مبدأ القيد العالمي» السلوكيات البيولوجية المعقدة من دون الحاجة إلى نمذجة كل جزيء واحد بالتفصيل.
وقد يساعد هذا المبدأ العلماء على فهم كيفية تأثير تغير المناخ على الكائنات الحية الدقيقة في المحيطات والتربة، وكيف يمكن للنباتات أن تستجيب لأنماط هطول الأمطار المتغيرة، وكيف يمكن للأوبئة أن تنتشر في ظل ظروف بيئية مختلفة، كما يمكن أن يساعد في تصميم أنظمة زراعية أكثر كفاءة وتطوير عمليات صناعية حيوية أكثر استدامة.
• البحث المستقبلي:
يمكن للدراسات المستقبلية أن تستكشف كيف ينطبق المبدأ على كائنات مختلفة والطريقة التي تُستخدم بها مغذيات متعددة معاً، ويأمل الباحثون أن يتوسع هذا العمل ليشمل كائنات أكثر تعقيداً، بما في ذلك الخلايا حقيقية النواة والكائنات متعددة الخلايا، وقد يؤدي فهم كيفية عمل هذه المبادئ العالمية عبر مستويات مختلفة من التنظيم البيولوجي إلى رؤى ثورية في علم الأحياء والطب والتكنولوجيا الحيوية.
وإجمالاً، يمثل هذا الاكتشاف تقدماً كبيراً في فهمنا للعمليات الأساسية التي تحكم الحياة على الأرض، ومن خلال الكشف عن القوانين العالمية التي تحد من النمو البيولوجي، يفتح هذا البحث أبواباً جديدة للابتكار في مجالات متعددة، من الطب إلى الزراعة إلى الحفاظ على البيئة، ويوفر إطاراً موحداً لفهم كيفية استجابة جميع أشكال الحياة للموارد المحدودة.