تساهل كثير من الناس في الطلاق حتى الصالحين منهم بحيث يطلّق بالثلاث وربما بالعشر... ويطلّق لأتفه الأسباب.
فمثلاً أراد أن يُضيّف جاره حلف بالطلاق وإذا غضب سبّ ولعنَ وطلّق... وإذا أراد منع زوجته من شيء طلّق...
والله تعالى شرع الطلاق عند إرادة الفراق إذا قرّر الزوج إنهاء العلاقة الزوجية (المقدسة)، كما شرع للمرأة الخُلع عند تضررها بالبقاء مع الزوج، وعليه فلم يُشرع الطلاق من أجل تأكيد اليمين أو التهديد أو الهزل واللعب والتمثيل «ولا تتخذوا آياتِ اللهِ هُزُواً».
وهذا الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حين رأى أن الناس أكثروا من الطلاق لسبب ولغير سبب فكان الواحد يطلّق ثلاثاً في مجلس واحد... فأمضاها عمر عقوبةً وزجراً لهم بمعنى أنّ من طلّق زوجته ثلاثاً في مجلس واحد، فإنها تُحرم عليه وتُحسب عليه ثلاث طلقات فلا تحل له من بعد حتى تنكحَ زوجاً غيره فيتزوجها ذلك الغير، ثم إن بدا له أن يطلقها طلقها لا بنيّة أن يُحلها للأول فإن هذا حرام وسماه الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، بـ(التيس المستعار) لأن هذا تحايل على الشرع، فإذا طلقها ذلك الغير فإن الزوج الأول يقوم بخِطبتها وبمَهرٍ جديد وعقد جديد.
هكذا إذاً شأن الطلاق في الإسلام وهذا هو الطلاق الشرعي، لكن مؤسف حقاً أن كثيراً من العوام لا يتعب نفسه في السؤال عن هذا (الميثاق الغليظ) الذي تترتب عليه أحكام شرعية في الدنيا والآخرة تتعلّق بالنسب والمحرمية والميراث والعدّة والحلال والحرام في استحلال الفروج... بل ربما يذهب الى إمام المسجد في الحارة أو إلى صاحب عمامة لابس جبّة أو حتى دكتور في الشريعة ولو لم يكن من أهل الفتوى ثم يسألهم فيفتون بغير علم وهنا تقع المصيبة بأنه يعيش مع طليقته بالحرام؟
والمصيبة الأخرى، تساهل بعض المفتين بحالات الطلاق ممن يجهل أحكام الطلاق وهو ليس أهلاً لتلك النوازل الحديثة.
ومسائل الطلاق والحيض والطهر وقضايا الحضانة وما يترتب عليها والخوض في النيات ومسائل التكفير من المسائل التي فيها خلاف شديد ومعقّد بين أهل العلم قديماً وحديثاً، وفي كثير من مسائل الطلاق دقائق لا يفهمها إلّا من عنده قدمٌ راسخة في العلم ثم مع ما يترتب على الفتوى من أحكام عظيمة... والمفتي له شروط عند أهل العلم مذكورة في كتب أصول الفقه، فماذا يقال لمن جمع بين عدم الأهلية والجرأة على الفتوى؟
وهذا ما سمعناه اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول قانون الأحوال الشخصية (وكل إناء بما فيه ينضح). حتى أفتى بعض السياسيين وأصحاب الدكاكين وبعض الكتّاب الصحافيين في الحضانة والرؤية والنفقة دون أن يسألوا أهل العلم!
والتقول على الله بلا علم ذنب أعظم من الشرك بالله والشيطان يَغُرَّ الناس بالقول على الله بغير علم بحجة تغير الزمان! وعملاً بحرية الرأي لأن تعديل القانون مستحق لأنه قديم؟ ولأننا لا بد أن نواكب العصر... مع الانفتاح... ونشوف مصالح الناس! وهكذا (تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيدُ؟) حتى (ضاعت الصقلة).