بلجيكا تُعرف تاريخياً بأنها بلد الكرنفالات وساحة المعارك (الحرب العالمية الأولى والثانية)، وإذا رجعنا إلى تاريخ تأسيس دولة الكويت وجدناه أسبق من تاريخ تأسيس بلجيكا والكويت لم تتكون نتيجة ثورة أو انقلاب!
ولا يمكن الحديث عن مستقبل الكويت بعيداً عن المعطيات المحلية والإقليمية والعالمية، وبالتأكيد مع إدراكنا تماماً أن (كويت) اليوم ليست هي (كويت) الأمس.
وما نعيشه اليوم ارهاصات اقتصادية وسياسية (محلياً) نتأمل تكون بداية نشوء أجيال جديدة قادرة في النهاية على إدارة عجلة التنمية المستدامة وتكوين مجتمع متطور تمت صياغته بالمفهوم الأكثر ارتباطاً بالصالح العام للدولة وفق آليات ومفاهيم جديدة وجذرية. ورغم أهميتها وحيويتها لا يجب أن تُنسينا المورثات التاريخية للكويت وما كابده أمراؤها وشيوخها وقبائلها (سنتها وشيعتها) من متاعب وهموم وتضحيات كلفتهم الكثير، بل حتى قدموا أرواحهم لله خالصة في سبيل الدفاع عن سيادة الكويت والحفاظ على شعبها. كما لا ننسىٰ ما استقر في ضمير الشعب الكويتي من خلال وجود الدواوين التي سبقت الاستقلال والدستور ودورها المجتمعي الأصيل مع تقلبات الأيام بين الأفراح والأتراح تعتبر من أهم المحطات التاريخية في حياة الكويت، وهي صمام أمان وأوتاد تشدُّ عمود الخيمة وتحفظها بعد الله من عاتي الأعاصير لأنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالإطار الشخصي والاجتماعي لمكونات المجتمع الكويتي قديماً وحديثاً...
وهذا الأمر رسّخ حقيقة مهمة لدى الشعب مفادها أن مستقبل (الاقتصاد السياسي) للكويت يتطور، فالدولة وبحضورها الإنساني العالمي والتعامل الراقي (إقليمياً) مع دول الجوار وأطراف النزاع وما قدمته من مقترحات لاتقاء الخلافات ولإحلال السلام محل آفات الحروب والاتفاق محل الافتراق والمصالح والاستثمار محل تبديد الثروات، هي التي أعطت (مجلس التعاون الخليجي) و(العربي) ثقله.
وتعمل سياسة الكويت الخارجية على تشغيل قيم الولاء بين أفراد المجتمع الدولي ومؤسساته ولا تُقلل في الوقت نفسه من أهمية أن يكون في كل المجتمعات قدر من المشاركة والمشاورة على أن تكون فاعلة لا تعتمد على النزاعات والتهور ولا الولاءات الخاصة، فكل مجتمع مهما مَلَكَ من الملاءة المالية بحاجة إلى مؤسسات حيادية ترفد عمل النظام وخاصة في ظل غياب بعض أساسيات ومتطلبات الحياة المتزايدة، وخاصةً مع الظروف الخارجية الضاغطة.
وعليه لابد أن تتجه الحكومات للعمل على تنمية الوعي بأهمية المشاركة (السياسية) بالمفهوم الصحيح للمشاورة وليس المفهوم (القديم) وألاّ تزيد الأنظمة من عمليات التضييق على الدول الفقيرة والواقعة تحت الاحتلال وتجذير الفواصل بين المجتمع الدولي والسلطة المحلية.
وختاماً أقول:
إن مشاركة الكويت العالمية وعبر المنصات الأممية لا شك أنها مرّت بأطوار وأشكال مختلفة تبعاً للظروف ولم تكن بدايتها بالتأكيد سنة 1962، حين وُضع الدستور، فعلاقات الشيخ مبارك الصباح (أسد الجزيرة) طيب الله ثراه، العالمية قبل صياغة الدستور كانت من أبرز المقدمات التاريخية السياسية في الكويت وهي تعبّر بحق عن السياسة الخارجية في حكم آل الصباح الكرام، آنذاك فالمراسلات واستقبال الوفود وكبار الشخصيات مسجلة بصفحات من نور في التاريخ السياسي في الكويت والجزيرة العربية.
خذ مثلاً (دعم مبارك الكبير لابن سعود 1898م، اتفاقية الحماية مع بريطانيا 1899م والعلاقة المتميزة مع الشيخ خزعل الكعبي (حاكم المحمرة 1896م) نموذجاً لهذه السياسة الحصينة.
وعليه نقول: مستقبل الكويت (الجيوسياسي) يقف بفضل الله على أرضية صلبة.
وليس هو رهين مرحلة عابرة!