رأي نفطي

صمت النفط!

24 نوفمبر 2025 10:00 م

يسود الصمت قطاع النفط، وكذلك المنظمات النفطية المختلفة، سواء من دول «أوبك» أو «أوبك بلس»، أو حتى من الدول النفطية المنتجة والمصدّرة خارج هاتين المنظمتين، في وقت يشهد فيه سعر برميل النفط تراجعاً إلى ما دون 58 دولاراً للنفط الخام الأميركي، وحوالي 61 دولاراً لخام منظومة «أوبك بلس».

وللمرة الأولى، يحدث ذلك من دون أي تحرك أو تصريح رسمي من دول «أوبك بلس»، بل دون صدور بيان واحد من وزراء النفط في تلك الدول.

يطرح هذا الوضع العديد من التساؤلات: لماذا يحدث هذا الصمت؟ ما الأسباب؟ وكيف تتعامل الدول النفطية – بلا استثناء – مع هذا التراجع الحاد في الأسعار بين 58 و61 دولاراً؟

تواجه معظم الدول النفطية عجزاً مالياً متزايداً، فهي تحتاج إلى أسعار تتراوح بين 85 و120 دولاراً للبرميل لتجنب اللجوء إلى الاقتراض من البنوك العالمية. ومع ذلك، لا تظهر أي نية لدى «أوبك بلس» للتدخل، رغم تراجع الأسعار وتفاقم العجز المالي الذي قد يستمر حتى العام المقبل.

وتُطرح هنا أسئلة إضافية:

لماذا لا تتدخل «أوبك بلس» لرفع الأسعار على الأقل إلى مستوى 70 دولاراً؟ أين الهدف الذي لطالما أعلنت عنه المنظمة وهو تحقيق استقرار في الأسعار والحفاظ على نطاق سعري محدد؟ فالآن، تواجه الدول الأعضاء صعوبة في تلبية احتياجاتها المالية، بل إن بعضها يجد صعوبات حتى في الاقتراض.

وأثرت التصريحات الأميركية الأخيرة بشكل واضح في تراجع أسعار النفط. ورغم ذلك، لم تتحرك «أوبك بلس». فهل قررت المنظمة ترك الأسواق تحدد الأسعار بنفسها؟ قد يكون السبب أنها لم تعد تثق بالتزام أعضائها بحصص الإنتاج، حيث إن العديد من الدول تتجاوز الحصص المقررة بمجرد انتهاء الاجتماعات، أو حتى خلال انعقادها، عبر بيع كميات إضافية من النفط.

وتواجه «أوبك بلس» هذه المرة مشكلة أعمق، تتمثل في منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة، حيث تنتج أميركا أكثر من 13.8 مليون برميل يومياً، لتصبح أكبر دولة منتجة للنفط عالمياً، متجاوزة دول «أوبك» مجتمعة بنحو 4 ملايين برميل يومياً.

وقد يكون هذا العامل أحد الأسباب الأساسية لعدم انعقاد اجتماع طارئ لمنظمة أوبك بلس، إذ إن توافر النفط الصخري بكميات ضخمة أدى إلى زيادة الضغط على الأسعار، خصوصاً أن الولايات المتحدة تصدّر وتستورد النفط في الوقت نفسه، وفقاً لاحتياجات مصافيها المختلفة.

ورغم امتلاكها أكبر الاحتياطيات النفطية في العالم، إلا أن واشنطن تواجه قيوداً بيئية وتشريعات فيدرالية صارمة تحد من عمليات التنقيب، ما يجعلها أحياناً مضطرة إلى استيراد النفط من الخارج.

إلى جانب الضغوط الخارجية، تواجه «أوبك» مشكلة داخلية؛ فبعض أعضائها لا يلتزمون بحصص الإنتاج، ويسعون للاستفادة القصوى من ارتفاع الأسعار عبر بيع أكبر كمية ممكنة بأعلى سعر، قبل بقية الدول.

ورغم المقاطعة الأوروبية والعالمية للنفط الروسي، فإن أسعار النفط أصبحت أضعف من السابق، ما يدل على وجود كميات زائدة في الأسواق، وتجاوزات في الالتزام بالإنتاج داخل المنظمة، وكأن المنظمة فقدت الأمل في اتخاذ قرارات فعّالة، تاركة السوق يحدد السعر المناسب دون تدخل، حتى لو كان ذلك يعني توجه الدول المنتجة إلى الاقتراض أو استعمال احتياطاتها النفطية كضمانات على المدى الطويل، في ظل تراجع تأثير نظام الحصص أو ما يعرف بـ«الكوتا».

ويبقى السؤال الجوهري: إلى أين تتجه «أوبك»؟ وما هو دور منظمة أوبك اليوم؟ وهل ستتدخل لحماية الأسعار وإعادة الاستقرار إلى السوق؟ أم أنها سئمت من الاجتماعات المتكررة والصعوبات المستمرة في إلزام الأعضاء بقراراتها، حتى أصبحت تلك القرارات تُمحى فعلياً بمجرد نهاية كل اجتماع؟

[email protected]