في اكتشاف يوسع دور الحمض النووي (DNA) إلى ما هو أبعد من كونه حاملاً للمعلومات الوراثية، اكتشف باحثون في جامعة سنغافورة الوطنية (NUS) أن مجموعات الفوسفات في الحمض النووي يمكن أن تعمل كـ «أيدٍ جزيئية» لتوجيه التفاعلات البيوكيميائية، وهو الاكتشاف الذي من شأنه أن يجعل عملية إنتاج المركبات الطبية والصيدلانية أكثر كفاءة واستدامة، خصوصاً في مجال تصنيع الأدوية التي تتطلب دقة عالية في الشكل الجزيئي.
تكمن أهمية هذا الاكتشاف في أن العديد من الأدوية هي جزيئات «كايرالية» (Chiral)، أي إنها توجد في شكلين متطابقين كصورة المرآة، مثل اليد اليمنى واليسرى. وغالباً ما يكون شكل واحد فقط من الدواء فعالاً ومفيداً، بينما قد يكون الشكل الآخر غير فعال أو حتى ضاراً. ويعد إنتاج الشكل الصحيح فقط تحدياً كبيراً في الكيمياء الصيدلانية.
وإذ تُقدم الطريقة الجديدة القائمة على الحمض النووي حلاً أبسط وأكثر صداقة للبيئة لتحقيق هذا الانتقائية، استلهم الباحثون بقيادة الأستاذ المساعد تشو رو-يي - من التفاعل الطبيعي بين الحمض النووي والبروتينات، حيث تجذب مجموعات الفوسفات السالبة الشحنة في الحمض النووي المكونات الموجبة الشحنة في البروتينات. واكتشف الفريق أن مجموعات فوسفات معينة في الحمض النووي يمكنها جذب وتوجيه المتفاعلات الموجبة الشحنة أثناء التفاعل الكيميائي.
ويُطلق على هذا التأثير اسم «اقتران الأيونات»، وهو يعمل مثل المغناطيس الذي يسحب حبة معدنية إلى الاتجاه الصحيح، ما يضمن إنتاج شكل واحد فقط من المنتج العلاجي.
ولفهم الأجزاء المسؤولة بدقة، طور الباحثون طريقة تجريبية جديدة تسمى «مسح PS»، حيث قاموا باستبدال مجموعات فوسفات فردية في الحمض النووي بشكل منهجي، ما سمح لهم بتحديد المواقع الحاسمة لتوجيه التفاعل.
وقد تم التحقق من صحة هذه النتائج من خلال محاكاة حاسوبية بالتعاون مع جامعة هونغ كونغ الصينية.
وأشار الأستاذ المساعد تشو إلى أن الطبيعة لم تستخدم فوسفات الحمض النووي كمحفزات، لكنهم أظهروا أنه إذا تم تصميمها بشكل صحيح، يمكن أن تعمل كإنزيمات اصطناعية.
ويعُد هذا الاختراق، الذي نشُر في مجلة «Nature Catalysis»، إنجازاً مفاهيمياً يمكن أن يجعل التصنيع الكيميائي أكثر استدامة، خصوصاً لإنتاج الجزيئات المعقدة وذات القيمة العالية المستخدمة في المنتجات الصيدلانية.
ويخطط الباحثون لمواصلة استكشاف المزيد من الطرق لاستخدام فوسفات الحمض النووي لإنشاء مركبات كايرالية لتطوير أدوية غير مسبوقة.