قيم ومبادئ

إلى رؤساء تحرير الصحف!

6 نوفمبر 2025 10:00 م

كانت الصحافة في بداية عام 1605 ميلادي، في ألمانيا نظاماً سياسياً وليداً انطلقت ترفدها ثورة المطابع لنزع القداسة المزعومة من أنظمة الحكم الشمولي وقبلها الكنيسة وثالثها الدكتاتوريون... ولتعطي الشعوب المقهورة الحقّ في حكم نفسها - كما زعموا - لكن المبالغة والإطراء للصحافة الوليدة جعلت البعض يخيب أمله فيها عندما لم تحقّق حلولاً سريعة للبلدان التي نشأت فيها ولا لقطيع الجماهير ومطالبهم الشعبوية؟ وتالياً تغلبت عليها القوى الرجعية التي لها دعم خارجي، وتطمح للعودة لإرجاع الأنظمة القديمة، لذلك انطلقت تلك القوى بمؤسساتها تنتقد الصحف المحلية ذاتها وتروّج لفشلها مع سباق محموم للمصالح بين العمال وأرباب العمل.

أما نحن اليوم، وما نعيشه من تحولات حادّة ليت شعري ما الذي أصاب الصحافة في هذه الفترة عن تاريخنا؟ مع أن تنوع وسائل التواصل الاجتماعي فتح البابَ على مصراعيه أمام الصحافة فأصبحت لا توجه الرأي العام فقط أو تهيئه لقبول ما يُنشر عليه، بل هي قادرة على خلق الرأي العام بما تملكه من قدرة على قلب الحقائق لاستمرار رتم سباق المصالح على حساب المبادئ.

فمن الغفلة التي تطمس القلب والعين والعقل أن يعرف ذلك إنسان له بقية من نخوة أو كرامة أو عقل ثم لا يعيد النظر في كل أمرٍ من أمور الأمة العربية والإسلامية، خصوصاً بعد سلسلة ثورات فاشلة ليرى أثر الإعلام المرئي والمسموع في تحطيم النفس العربية المسلمة في كل ناحية من نواحي الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية والدينية، وليُبصر عياناً صُدُوع التحطيم والهدم ظاهرة في الحياة اليومية وليدرك أن العدو الذي يريدنا أن نعتنق مبادئ وقيم الحضارة الغربية ما زال يعمل وإنما يريد أن يقوّض بناءً (أُسّس على التقوى من أول يوم) حتى اكتمل بناؤه في قرون متطاولة، لأن حصوننا محصّنة من الداخل فاستمر البناءُ أربعة عشر قرناً من الزمان، حيث بقي شامخاً كالجبل الأشم يقارع الخطوب والنكبات محتفظاً بقوته وكيانه وهويته ولم يجترئ عليه الأوباش إلا بعد طول تردد وخوف في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي.

وأنا لم أكتب هذا غضباً لنفسي بل غضبتُ لكرامة أمة أنا أحد أبنائها ولصحافة في عالمنا العربي الإسلامي لم أزل أعرفها منذ عقلت ترعى حُرمة الرأي - الموضوعي - والدفاع عنه مع أن بعضها كان في السابق يرتكس في حمأة الاستبداد والظلم المادي والتطرف الفكري ولكنه على ذلك كله لم يكن يجترئ على حقوق أبناء الأمة ودمائهم وأعراضهم بالتحكّم الغليظ الذي لا خيرَ فيه ما دام المشرف على الوسيلة الإعلامية يعدُّ نفسه صاحب الحق في أن يمنع المخلصين من الدفاع عن أمتهم أو كشف زيف بعض وسائل الإعلام ... وأحب أن أسأل من الذي أعطى المشرفين على مثل هذه الصحف في عالمنا العربي والإسلامي الواسع هذا الحق؟ وبلا ريب لم يعطهم أحدٌ هذا الحق... فهل يبلغ التحيز إلى فئة من الفئات أن يخالف ما درج عليه من أدب الصحافة وما كفلته الدساتير من حق الدفاع عن النفس وأن يهدر المرء حقاً معترفاً به لا لشيء إلّا لأن المشرف على الصحيفة أو المجلة يخطب في هوى عصابة من الناس ليست كلمتهم التي يقولونها أولى من كلمة مخالفيهم بالاحترام والتقدير؟

وتأسيساً على ما سبق لا يمكن بحال من الأحوال الارتقاء بالرسالة الإعلامية اليوم في عالمنا العربي والإسلامي وما زالت الهياكل القديمة ترتع في أكنافها... كما لا يمكن تحقيق أهداف التنمية ورفع مستوى الثقافة الصحيحة بتدفق المعلومة الهادفة طالما حشرنا الإعلام بالمصالح الخاصة وبثقافة التسلية والوجبات السريعة وهذا ما يطلبه المستمعون! لا ما تطلبه الأمة الثكلى.