الاقتصاد العالمي ما بعد «كورونا» يواجه تحدّي الارتفاع المتصاعد للأسعار دون تلجيم

الغلاء في الكويت معركة مستوردة يُغذّيها نمط الحياة

4 نوفمبر 2025 10:00 م

- 5.63 % متوسط ارتفاع أسعار الطعام والمشروبات
- 1.7 % معدل التضخم خليجياً والكويت الأعلى بـ 2.4 %
- 95 % استيراداً للسلع ما يزيد حساسية الاقتصاد للتقلّبات عالمياً
- تكاليف الإنتاج تتأثر بارتفاع أجور العمال والكهرباء والنقل والطلب
- لا توجد دولة بالعالم نجت من زيادة تكلفة كل شيء تقريباً غنية أو فقيرة
- أي ارتفاع بأسعار الطاقة ينتقل للسلع والخدمات مباشرة
- الغذاء محرّك التضخم الرئيس في معظم الفترات
- الملابس والصحة والتعليم سجّلت ارتفاعات ملحوظة
- استهلاك المنتجات الفاخرة يرفع التكاليف شحناً وتشغيلاً

على مدار السنوات الخمس الماضية سجّلت التكاليف المعيشية ارتفاعات متتالية محلياً وعالمياً، حيث زادت تكلفة كل شيء تقريباً، سيما السلع الرئيسية، وبمعدلات كفيلة بأن يشعر بحرارتها المستهلك الكويتي والمقيم.

ومع تراكم طبقات تصاعد الأسعار إلى الذروة التي شعر بها الجميع، من مختلف طبقات المجتمع، يبرز السؤال عن سرّ انفلات الغلاء محلياً، وعدم تلجيمه، وتزداد وجاهة هذا السؤال مدفوعة بعدم تطبيق ضرائب بالكويت سواء على التاجر أو المستهلك، والمحافظة على تفعيل سلاح الدعم تموينياً وإنشائياً وصحياً وتعليمياً، فيما يلحظ تباطؤ معدلات الشراء عموماً منذ فترة؟

في البداية، يتعيّن الإشارة إلى أنه لا توجد دولة واحدة في هذا العالم نجت من ارتفاع الأسعار، سواء كانت من الدول الكبرى أو الغنية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي أو الدول الفقيرة من آسيا وأفريقيا.

وبالطبع لا يُعد سراً الإشارة إلى أن الاقتصاد العالمي يواجه منذ فترة ما بعد جائحة كوفيد-19 (كورونا) تحدي ارتفاع الأسعار المستمر، مدفوعاً باضطرابات سلاسل التوريد والتوترات الجيوسياسية المستمرة لسنوات، وبالطبع لم يكن ممكناً لدول الخليج تفادي هذه الموجة العالمية. وتبرز الكويت كحالة نموذجية، حيث تشير الأرقام الرسمية إلى ارتفاعات سنوية مستمرة في مؤشر أسعار المستهلكين بلغت ذروتها في قطاعات حيوية كالغذاء.

وعملياً، هذا الغلاء ليس مجرد ظاهرة محلية، بل نتاج تفاعل معقد بين ضغوط عالمية متصاعدة وتكوين هيكلي للاقتصاد الكويتي، حيث يتم تصنيف التضخم في الكويت باعتباره «مستورداً» في غالبيته، نظراً للاعتماد على الاستيراد بنسبة تفوق 95 % في السلع الأساسية، ما يجعل الاقتصاد الكويتي حسّاساً لتقلّبات الأسعار العالمية.

ارتفاعات ملحوظة

وتشمل القطاعات التي سجلت ارتفاعات ملحوظة الغذاء والمشروبات، الملابس، والخدمات الصحية والتعليمية، كما شهدت تكاليف النقل انخفاضاً في الكويت خلال فترات معينة، ما يشير إلى أن الغلاء لا يعود في الغالب إلى هذا القطاع، بخلاف بعض دول الخليج التي تأثرت بارتفاع أسعار الوقود ودعم النقل.

وبالتالي، يمكن تصنيف السبب الرئيسي للغلاء في الكويت بين عوامل «مستوردة»، ما يجعل معظم هذا الاستيراد معتمداً على النقل البحري الذي يستهلك النفط. لذا، أي ارتفاع في أسعار الطاقة يُنقل مباشرة إلى أسعار الاستيراد، ما يرفع مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) بنسبة 0.5-1 % إضافية، كما حدث في يوليو 2025 حيث ساهم النفط في 2.39 % من التضخم الشهري.

ويُصنّف «الطاقة والنفط» كمسبب رئيس عالمي للتضخم في الكويت لأنه يعكس التأثير المباشر وغير المباشر لتقلّبات أسعار الطاقة العالمية على اقتصاد الكويت، الذي يعتمد بشكل كبير على الاستيراد رغم كونه مصدراً رئيسياً للنفط، وباعتبار أن «الطاقة والنفط» مستوردة تماماً من السوق العالمي، فهي غير خاضعة للسيطرة الكويتية المباشرة، ما يجعلها «عالمية».

وتمثل العوامل المحلية الحصة الأقل في تحديد تكاليف الخدمات، والتي ترتبط بالتغير في الطلب، والعمليات التشغيلية، مع الأخذ بالاعتبار أن الدينار الكويتي مرتبط جزئياً بالدولار، تتأثر الكويت بارتفاع تكاليف الطاقة في الأسواق الأميركية والأوروبية، حيث يؤدي ذلك إلى زيادة الطلب على الدولار ورفع تكاليف الواردات.

كما تؤثر تكاليف الإنتاج مثل أجور العمال، والكهرباء، والنقل على ارتفاع الأسعار، فيما تلعب التغييرات في هيكل الطلب المحلي دوراً في رفع تكلفة بعض السلع والخدمات. من هنا، يتضح أن الغلاء بالكويت ظاهرة معقدة ناتجة عن تفاعل عوامل خارجية وداخلية، مع ارتفاع أهمية العوامل الدولية في تفسير التضخم السنوات الأخيرة.

ارتفاع التضخم

وحسب البيانات الرسمية لمؤشر أسعار المستهلكين، شهدت الكويت ارتفاعات سنوية مستمرة خلال 2025، حيث سجل المؤشر في مارس 2025 ارتفاعاً بنسبة 2.41 % مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق. وفي فبراير 2025، بلغ 2.49 %، مع ارتفاع أسعار الطعام والمشروبات 5.23 %، والملابس 4.63 %. وفي يونيو 2025 شهد ارتفاع التضخم إلى 2.32 % سنوياً، مع زيادة أسعار الغذاء 5.11 %. وفي يوليو 2025 سجل المؤشر ارتفاعاً عاماً بنسبة 2.39 %، مع استمرار ارتفاع أسعار الطعام والمشروبات 5.63 %.

ووفق المركز الإحصائي الخليجي (GCC-Stat)، بلغ معدل التضخم في دول الخليج نحو 1.7 % في أكتوبر 2024، بينما كانت الكويت الأعلى بين هذه الدول بمعدل يقارب 2.4 %.

السلع الأكثر تأثراً

ويحتل القطاع الغذائي الصدارة مع ارتفاعات تتجاوز 5 % في معظم الفترات، ما يجعله المحرك الرئيس للتضخم. كما شهدت الملابس والأحذية ارتفاعات ملحوظة تتراوح بين 4 و5 %. إضافة إلى ذلك، شهدت الخدمات الصحية والتعليمية ارتفاعات متوسطة لكنها ذات تأثير ملموس. النقل، ورغم أهميته، فقد شهد انخفاضاً في الأسعار في الكويت خلال فترات عدة، ما يقلل مساهمته في التضخم الحالي.

ويلعب نمط الحياة العصري دوراً غير مباشر في ارتفاع الأسعار من خلال زيادة الطلب على سلع وخدمات أكثر تكلفة، مثل المنتجات المستوردة، الترفيه، السفر، والمطاعم، ما يزيد الضغط على الأسعار المحلية.

كما أن استهلاك المنتجات الفاخرة والخدمات الخارجية يرفع تكاليف التشغيل والشحن. مع ذلك، لا يعتبر النمط العصري المحرك الأساسي للغلاء، بل هو عامل معزّز يتضافر مع العوامل العالمية والمحلية.

التضخم محلياً معتدل نسبياً

لا يزال التضخم بالكويت ضمن مستويات معتدلة نسبياً مقارنة بدول أخرى، لكن تأثيره محسوس خاصة في قطاع الغذاء والخدمات الأساسية.

ويمكن القول إن هناك حاجة ماسة إلى سياسات تدعم تنويع الإنتاج المحلي وتحسين سلسلة التوريد لتقليل الاعتماد على الاستيراد، الذي يجعل الأسعار عرضة لتقلبات عالمية، ويمكن لتعزيز المنافسة المحلية وتقليل تكاليف التشغيل تخفيف الضغوط التضخمية.