البنوك تُطالب باستثنائها من شرط موافقة الوزارات المسبقة... و«المالية» تستشرف رأي «الفتوى والتشريع»

«حوالة الحق»... نقاش حكومي مصرفي لضمان القروض

2 نوفمبر 2025 10:00 م

-قفزة المشاريع المطروحة والمرتقبة بحدود مليارية تتطلّب مصرفياً زيادة المصدات الحمائية
-البنوك مستعدة للمساهمة الفاعلة والقوية في تمويل التنمية مع ترسيخ متحصلاتها
-مخاوف من الانكشاف على مخاطر أي تعثّر محتمل للمقاول دون أن يقابله ضمان تدفق الدفعات

فتحت «حوالة الحق» التي تحصل عليها البنوك من المقاولين الفائزين بالمناقصات، مقابل تمويلهم لتنفيذ المشاريع الحكومية، نقاشاً قانونياً واسعاً بين مصرفيين ومسؤولين في وزارة المالية، بعد أن أبدى بعض الجهات والوزارات رفضاً لقبولها، استناداً إلى نموذج عقد المناقصة الذي يشترط الحصول على موافقة مسبقة من الوزارة أو الجهة الحكومية على حوالة الحقوق، والتي تشكل مصرفياً ضمانة للقروض.

وفي هذا الخصوص بيّنت مصادر مطلعة لـ«الراي»، أن بنوكاً طلبت من المسؤولين المعنيين في «المالية» فك هذا القيد على المصارف، وأنه في هذا الخصوص تم اقتراح 3 حلول تشمل الاستثناء من شرط الموافقة الحكومية المسبقة، أو تعديل النص القانوني، أو قبول الجهات الحكومية بالاتفاق التوافقي مع مقاولي المشاريع الحكومية.

وما يستحق الإشارة هنا، أن حوالة الحق تُعرف بأنها تصرف قانوني، يتم بموجبه نقل حق شخصي (الدائن الأصلي) من ذمته المالية إلى شخص آخر (الدائن الجديد)، مع بقاء المدين على حاله. ويسري هذا الإجراء دون الحاجة إلى موافقة المدين مبدئياً، لكن إعلانه بالحوالة أو قبوله لها، أمر جوهري لنفاذها في مواجهته.

مشروع حكومي

وأفادت البنوك «المالية»، بأنه عندما يطلب المقاول الفائز بالمناقصة تسهيلات ائتمانية لتنفيذ مشروعه الحكومي، هناك حاجة قانونية وإجرائية لإقرار حوالة الحق، لضمان إيداع المتحصلات النقدية «الدفعات» بحساب العميل لدى الجهة مانحة التمويل، على أن يشمل ذلك التزام الجهة الحكومية بعدم تحويل أي من هذه التدفقات مستقبلاً إلى بنك آخر ولو بطلب العميل، إلا إذا توافر لديها ما يفيد بنقل الحوالة إليه.

وترى البنوك أن هذا الإجراء مستحق قانونياً ومصرفياً، على أساس أنه يقلص انكشافها على مخاطر أي تعثر محتمل العميل، وكذلك للتعرّض على ما يُعرف قانونياً بقسمة الغرماء في حالة التعثر وتنازع الجهات الدائنة على ضمانات العميل.

وفيما أكدت المصادر استعداد البنوك المحلية للمساهمة الفاعلة والقوية في تمويل مشاريع التنمية، مدفوعة بملاءة مالية ورأسمالية قوية، أوضحت أن استمرار تقييد حوالات الحق كضمانات لقروضها، يزيد مخاوفها ائتمانياً.

ومقابل رأي البنوك، يصر بعض الوزارات والهيئات على عدم إعلان الشركة المنفّذة لمشاريعها «المقاول» حوالة الحق لأي بنك، إلّا بعد الحصول على موافقتها المسبقة مدفوعة بوجهة نظر بأنها تطبيق لنص القانون، وفي الوقت نفسه تحمي المال العام من مخاطر إخلال العميل (المقاول) بتنفيذ المشروع.

ورداً على ذلك، أفادت «المالية» بأنها ستخاطب الإدارات المعنية في الوزارة، وكذلك ستخاطب إدارة الفتوى والتشريع، بشأن استثناء البنوك من شروط موافقة الوزارة أو الجهة الحكومية المعنية على حوالة الحق، فيما ستزود البنوك «المالية» بنموذج عقد حوالة حق، للاطلاع عليه واعتماده من قبل الوزارة.

ضمانة مصرفية

ويؤكد مسؤولون في البنوك أن حوالة الحق تُشكّل ضمانة لحقوق البنك، وليس للدولة وجه استفادة من تقييد تدفق متحصلات المشروع، على أساس أن دفع استحقاقاتها يأتي على دفعات، تصرف بموجب التأكد من التنفيذ وفقاً للشروط التعاقدية.

إلى ذلك، قالت المصادر إن شرط الموافقة المسبقة حكومياً حاضر تاريخياً في مشاريع المناقصات، إلا أنه وبفضل زخم طرح المشاريع الكبرى الفترة الأخيرة والمرتقبة، طرأت متغيرات في قياس البنوك لمعدلات المخاطر الائتمانية لهذه المشاريع، والتي يرجح أن يكون بعضها بحدود مليارية، منوهة إلى أن فتح خطوط تمويل مكافئة القيمة، دون إدراج حوالة الحق ضمن ضمانات المصارف، يزيد حساسية البنوك من أن تنكشف مستقبلاً على مواجهة مخاطر ائتمانية عالية.

قال وكيل وزارة التجارة والصناعة الأسبق المحامي عبدالله العفاسي، إن رفع القيد الحكومي عن تصنيف حوالات الحق الصادرة في إطار ضمانات تمويل مشاريعها إجراء مستحق ويستقيم مع صحيح القانون، منوهاً إلى أن هذا الإجراء يُحفّز البنوك على توسيع حيزها الائتماني ضمن مخاطر مقبولة.

وأضاف العفاسي، في تصريح لـ«الراي»، أن استمرار تطبيق هذا القيد من شأنه أن يُعرقل تدفق الائتمان لاسيما للمشاريع الكبرى، بدافع تفادي المخاطر العالية، موضحاً أن المقاول عادة ما يطلب تسهيلات نقدية وهي عبارة عن تمويلات لازمة للبدء في تنفيذ المشروع، وغير نقدية تتمثل في خطابات ضمان يطلبها صاحب المشروع لحُسن الإنجاز أو ضمان لدفعة مقدمة.

وأكد أن رفع القيد عن حوالات الحق، لا يتعارض مع إجراءات حماية المال العام، المحفوظ بشروط جزائية تقع على المقاول بمجرد إخلاله ببنود العقد، فضلاً عن أن الجهات الحكومية تدفع استحقاقاتها للمقاولين على دفعات عقب تنفيذ كل مرحلة، ما يعطيها صلاحية وقف إيداع أي دفعة حتى استيفاء شروطها، مبيناً أن تقييد حوالات الحق بالمشاريع الحكومية بالموافقة المسبقة يرفع مخاطرها الائتمانية، ما يخفض شهيتها للإقراض وقد يعيقها عن التوسع في التمويلات الضخمة.

بسام العسعوسي لـ«الراي»:

عدم نص العقد صراحة... لا يجيز للبنك تنفيذ «الحوالة»

أفاد المحامي بسام العسعوسي، أنه إذا كان العقد الأصلي بين المقاول والجهة الحكومية لا ينص صراحة على قبول تحويل المستحقات لطرف ثالث، لا يجوز للبنك من حيث المبدأ القانوني، أن يحصل على الحوالة أو ينفذها دون موافقة الجهة الحكومية، مضيفاً أن بعض الجهات الحكومية تضع شرطاً مسبقاً بأنه لا يمكن التنازل عن المستحقات لطرف ثالث (البنك مثلاً) إلا بموافقتها الخطية.

وقال العسعوسي، في تصريح لـ«الراي»: «في بعض الحالات، تخاطب البنوك الجهات الحكومية مباشرة لتحصيل مستحقاتها بناءً على عقد القرض والتنازل المبرم مع المقاول، وإذا لم تكن هناك موافقة حكومية، قد ترفض الجهة تحويل المستحقات للبنك، ما يؤدي إلى نزاع قانوني».

ولفت، إلى أنه في ما يتعلق بعلاقة البنوك بالمقترضين من جهة، وبالجهات الحكومية من جهة أخرى في حال تنفيذ المشروع، هناك نقاط عدة يجب توضيحها، أبرزها طبيعة المشروع، فإذا كان تنفيذه لصالح جهة حكومية (كمقاولة أو عقد تنفيذ)، فإن الأموال التي تُحوّل من الجهة إلى المقاول (المقترض من البنك) تعتبر مستحقات ناتجة عن عقد بين الطرفين، مفيداً أن هذه المستحقات قد تُحوَّل للبنك مباشرة إذا كان هناك تنازل رسمي من المقاول للبنك عن مستحقاته، مقابل التمويل.

وأشار العسعوسي، إلى اعتبار آخر يتعلق باتفاق التنازل (حق الحوالة)، حيث في كثير من القروض المرتبطة بتمويل المشاريع الحكومية، يشترط البنك على المقترض التنازل عن مستحقاته بموجب ما يُعرف بـ«حق الحوالة» أو «تحويل الحقوق» للبنك، ويُوقع المقاول على ذلك مسبقاً، منوهاً إلى أن هذا التنازل يحتاج غالباً إلى موافقة الجهة الحكومية المتعاقدة، لأن الجهة قد ترفض تحويل الأموال لطرف ثالث دون موافقتها.