خارج الصندوق

وين عايش

2 نوفمبر 2025 10:00 م

تتعدّد الصور النمطية للمجتمعات وهي ما يميزُ به المُخالط لمجتمعٍ عن مجتمع وجماعة عن جماعة، بالملامح واللهجة واللباس والتصرفات والأكل والعادات الاجتماعية وطريقة التفكير في الأمور، فالناس تتجاور فتتعايش فتتمازج ويذوب بعضٌ منها ببعض الآخر المجاور على قدر استسلامهم للذوبان ببعضهم البعض، فعندما تذوب وتنصهر المجتمعات ويأخذ الكل من الآخر بقدر ما يأخذ الآخر منه تمتزج العادات والصور فيتقولب المجتمع ليعاد ترتيبه وتشكيله ليظهر بشكله المختلف الذي يصبح علامة مميزة له وهويته الخاصة به التي قد تقبل التغيير بتغير الزمان وظروفه والمكان ومعطياته بصورة واضحة حقيقية يتخللها أو يكسوها شيء وربما أشياء من الوهم الاجتماعي.

الوهم الاجتماعي كما أحب أن أسميه، ولا أدري إن كان سُمي من قبل أو لا، ولا شك عندي بذلك، أو أنني أردت أن أشعر بأني صاحب السبق بالتسمية أو أن أوهم نفسي بذلك، المهم أنه اسمٌ راق لي ويناسب موضوعي وأود استعماله.

هذا الوهم يعيشه المجتمع بتصرفاته المختلفة، من استهلاك وتعامل وطريقة تفكير ونبذ حتى من لا يوافق العامة بهذا الوهم بسؤال استقصائي «أنت وين عايش؟»، بينما بكل بساطة أن هذا الشخص هو لا يوافق المجتمع بنظرتهم للأمور التي قد يرى نفسه فيها مختلفاً أو لا يشابه الذوق العام أو أنه أعلى وعياً من الآخرين فيغرّد خارج السرب أو لا يوافق على ما اعتاده المجتمع إلا في ما يوافق حاجته ومنظوره للأمور.

والوهم يبدأ من نظرة الفرد للأمور ودوره في المجتمع، إن كان له نظرة بالأصل لكي يدرك أن له دوراً، أما معرفة الحقوق والواجبات فتلك أظنها أبسط أنواع المعرفة التي تخرج الفرد قبل المجتمع من أول درجات الوهم.

الوهم أصبح قالباً يشكلنا بعد ميوعةٍ واندماج ثقافات، وأعتقد أنه تصور خاطئ لشكلية النجاح والاستقرار النفسي والمادي والمعنوي لا النجاح والاستقرار في مضمونهما ومحتواهما، فقد أصبح من الوهم بأن يكون النجاح والإنجاز والأمان بالوظيفة والسعادة والاستقرار والزواج والحب والحرية بأشكال وصور يرتضيها المجتمع أو يظنها صحيحة بقصر نظره للأمور لا من منطلق عقلي يقرره ويتصوره صاحب الشأن في شأنه، وقد لا يكون في الواقع يتعامل مع تلك الأمور على حقيقتها، والتأخر عن الركب أو الخروج عن هذه القوالب يصبح الفرد بذلك فرداً خارجاً متأخراً أو منبوذاً، لا جزءاً مختلفاً من أصل المجتمع أو هكذا يُشعر أو يَشعر، لأن من السهل على الناس الاتباع في التصرفات الجمعية والصور النمطية التي يظنونها صائبة أو جميلة أو سعيدة أو أعجبتهم لموافقة أهواء النفس وغاياتهم غير المُدركة عقلياً أو غير محسوسه فيتبعون على ادعاء رضا أو تظاهر لحظي بالسعادة.

أعتقد أن الوهم متشعب ومتجذر في تصرفات واختيارات ورغبات وأهواء المجتمع ونحتاج طرح التساؤل على ذواتنا ما هو الوهم وما هي الحقيقة؟ وكيف لنا معرفة الوهم؟

والفرد المدرك لجزئية الوهم المجتمعي يصعب عليه التمازج مع الناس فيميل بكليته قلباً وعقلاً وروحاً للانعزال والفكر باحثاً عن حقيقة نفسه في مجتمعٍ يراه واهماً متجمداً في قوالب وضعت له لا يعرف واضعها ولا الموضوعة له ولا من جمّلها له، وهم يرونه معقداً رجعياً وربما مجنوناً وكلٌ بعقله راضٍ، والحياة دون إدراك حقيقتها والغاية منها كلها وهمٌ على وهمٍ.