رأي قلمي

امرؤٌ فيك جاهلية...!

1 نوفمبر 2025 10:30 م

رُوي أنّ أبا ذر - رضي الله عنه - جرت بينه وبين رجل خصومة، فعيّره بأمه، إذ قال له: يا ابن السوداء، فأتى الرجل النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وذكر له ذلك، فقال نبي الله لأبي ذر: «إنك امْرُؤٌ فيك جاهلية هم إِخْوَانُكُمْ وخَوَلُكُمْ جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليُطعمه مما يأكل، وليُلْبِسْهُ مما يلبس، ولا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ». متفق عليه.

ابتليت البشرية في وقت مبكر من تاريخها بأشكال من النبذ العنصري والطائفي، وسادت اعتقادات كثيرة بوجود فروق وعناصر مورثة مرسوخة وثابتة في طبائع الناس، وإسناد ذلك إلى انتمائهم لشعب أو قبيلة أو عرقٍ ما... وتلك الفروق كثيراً ما ترتبط بلون البشرة، أو الثقافة، أو مكان السكن، أو العادات، أو اللغة، أو المعتقدات.

الإسلام وضع الأسس الأخلاقية والحقوقية لمنع انتشار التهميش لأي إنسان بسبب دين أو لون أو انتماء معين، فالناس عبيد الله سبحانه وتعالى، وهم يستحقون الرفعة والتكريم بأعمالهم وليس بألوان جلودهم، «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» الحجرات آية 13.

كثير من المجتمعات تُعاني من هذه العنصرية والطائفية في أهم وأقدس عقد اجتماعي، مسألة الزواج والمصاهرة من النسائب الحساسة لدى الناس، حيث تظهر فيها مكانة العوائل والقبائل وكفاءة النسب، واليوم بدأت تظهر مكانة فئات الجنسية الكويتية.

وقد أسس النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وأصحابه معاني التجاوز للتفاوت في ذلك، فقد زوّج النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فاطمة بنت قيس وهي قرشية، أسامة بن زيد وهو عتيق، وتزوج أبوه زيد زينب بنت جحش وهي أسدية، وأمها عمته - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وكذلك بلال تزوج زهرية أخت عبدالرحمن بن عوف مع أن بلالاً حبشي عتيق.

وقد أتى اليوم الذي لا يسأل الخاطب أو المخطوبة عن خُلقهم ودينهم بل عن فئة جنسيتهم، لا عزاء لنا في بعض البشر الذين يبحثون عن عرق وانتماء، وكنّا نعيبهم، ونقول ما قاله رسولنا وحبيبنا: إنكم أناس فيكم جاهلية - فكيف بمَنْ يسأل اليوم عن فئة الجنسية. على الرغم من أن كثيراً من النصوص تحث المسلمين على عدم تهميش أي شخص بسبب لونه أو طائفته أو عرقه.

من المهم جداً أن نرسخ هذا المعنى في أعرافنا وأوضاعنا وعلاقاتنا الاجتماعية، فلا ننظر عند التوظيف في مختلف المناصب إلى اعتبارات عدا أن يكون الاعتبار للكفاءة والمهارة والقدرة على إنجاز المهمات المتعلقة بالوظيفة، إلى جانب الاستقامة المالية والنزاهة. وفي الزواج يكون الاعتبار للدين والخلق، وليس فئة الجنسية واللون والطائفة والعرق.

كذلك علينا نشر ثقافة الإخاء والكرامة الإنسانية، وثقافة التعامل بناءً على أعمال الإنسان ومواقفه، وليس على بعض موروثاته الجينية، أو بعض الأمور التي ليست من كسبه كما ذكرنا سابقاً.

[email protected]

@mona_alwohaib