خواطر صعلوك

من أزمة الاختبارات إلى تنوع الاختيارات!

30 أكتوبر 2025 10:00 م

يُشكل الثالوث الحيوي، التعليم، وتكنولوجيا المعلومات، وحرية التعبير، الركيزة الأساسية لمجتمعات المعرفة الحديثة، حيث أصبحت العدالة الاجتماعية والحرية مرتبطتين بشكل عضوي بكيفية معالجة المجتمع لهذه القضايا الجوهرية.

في ما يخص النظام التعليمي وهو ما يهمنا في هذا المقال، نواجه حاجة ملحة لإعادة صياغة المفاهيم التربوية بشكل جذري يتجاوز النقاشات التقليدية حول الميزانيات التعليمية وأعداد الطلبة في الصفوف وأجور المعلمين وبصماتهم الثلاثة، وحتى الخلافات حول تطوير المناهج، أو حتى الاقتراحات المرتبطة، فهل نجعل الاختبارات موحدة على مستوى المنطقة التعليمية أم نجعلها موحدة على مستوى الدولة؟

لقد أصبحت نماذج التعليم الجماهيري التي صممت لعصر الصناعة بالية وغير قادرة على مواكبة متطلبات مجتمع المعرفة، تماماً كما أصبحت شبكات التلفزيون التقليدية عاجزة عن منافسة وسائل الإعلام الرقمية الحديثة.

يتطلب التعليم في عصرنا الحالي تحولاً جذرياً من نظام قائم على التقييد والتقييم إلى نظام قائم على التنوع والاختيار... فبدلاً من التركيز على الاختبارات الورقية التقليدية التي تقيس قدرة الحفظ والتذكر، نحتاج إلى تبني أنظمة تقييم جديدة تركز على قياس مهارات التفكير النقدي، والإبداع، والقدرة على حل المشكلات المعقدة.

ولمواجهة هذا التحدي، يجب أن يحل نظام تعليمي غني بالاختيارات محل النظام الحالي الذي يفتقر إلى حرية الاختيار. وهذا يعني تعددية في المسارات التعليمية وتوفير مسارات متنوعة تلائم الميول والقدرات المختلفة للطلبة، وأن تكون هناك مرونة في المناهج لتصميم مناهج مرنة تسمح بالتكيف مع الاحتياجات الفردية للمتعلمين، والأهم من كل ذلك تنوع في أساليب التقويم و استبدال النموذج التقليدي للاختبارات بنماذج تقييم مستمرة وشاملة.

والمسؤولون في وزارة التربية وإدارات تطوير المناهج وأساليب التقييم يعرفون أن هذا التحول يتطلب اعتماد إستراتيجيات تقييم بديلة، وتكون مفعلة حقيقة في المدارس مثل التقييم التكويني المستمر وأدواته، و تقييم الأداء الحقيقي عبر المشاريع العملية والطلابية التي توثق تطور التعلم و التقييم الذاتي وتقييم الأقران.

إن إعداد الأجيال الجديدة للعيش بشكل فاعل في مجتمع المعرفة يتطلب جرأة في التغيير، وشجاعة في تبني نماذج تعليمية جديدة،لننتقل من ثقافة الاختبارات إلى ثقافة الاختيارات، ومن التلقين إلى الإبداع، ومن التعليم الجماعي إلى التعليم المخصص الذي يحترم الفروق الفردية ويطلق طاقات الإبداع الكامنة لدى كل متعلم.

بالتأكيد ان المسؤولين في وزارة التربية حريصون على مصلحة أبنائنا، وبالتأكيد هناك رؤوى متنوعة لإصلاح التعليم، ولكن المعيار الحقيقي هو في طرح الأسئلة التي تتعلق بالقضايا والمصالح التي تنطق منها الرؤية؟

وما هي غايتها الكبرى؟ وما علاقتها بتحقيق تعليم عالي الجودة وجيد النوعية؟

وما نوع التفكير الذي تسعى لإشاعته وتكريسه؟ وما نوع العلاقات الاجتماعية التي تود أن تسود خلال تلك الرؤية؟

وما نوع المعرفة التي تسعى إلى تعظيمها وتكريسها للأجيال القادمة؟

وما هي المصالح الاقتصادية والسياسية والثقافية التي تدافع عنها؟

فمن خلال هذا المسار يمكننا بناء نظام تعليمي حقيقي يخدم أبناءنا ويؤهلهم للقيادة والإبداع في مجتمع المعرفة المتغير.

وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله...أبتر... وكل ما لا يُراد به وجه الله... يضمحل.