ألوان

عبدالعزيز حسين

27 أكتوبر 2025 10:00 م

كم هو جميل أن تحب وتعتز بوطنك، ولكن الأجمل أن يفتخر الوطن بك، وهذا ينطبق على الكثير من رجالات الكويت عبر أكثر من قرنين من الزمن، هو عمر دولة الكويت التي مرت بمراحل كثيرة من الصعاب، وانتهاء بالحفاظ على الكيان الوطني وسط بحر متلاطم بالتقلبات الجيوسياسية قديماً وحديثاً.

ورغم تلك التعقيدات، برزت مبادرات وشخصيات كويتية ما زال أثرها حاضراً في حياتنا اليومية رغم مرور عقود من الزمن على رحيل تلك الشخصيات، منها المربي الفاضل الأديب السياسي السفير عبدالعزيز حسين التركيت - يرحمه الله.

وقبل كل شيء أريد أن أعترف بأني لست أفضل من يتحدث عن هذا المواطن الذي تفتخر به الكويت نظراً لما قدمه عبر مسيرته الحافلة بالكثير من المحطات المميزة في الداخل والخارج، حيث إن هناك من هم متخصصون في المجالات التي خدم بها الراحل بلده وشعبه، سواء في التعليم أو الدبلوماسية أو السياسة خصوصاً أن الأجيال الجديدة لا تعرف عن الرواد إلا القليل.

تمر قريباً ذكرى ولادته بتاريخ 26 نوفمبر 1920، وعلينا أن نتخيل كيف كانت طبيعة الحياة في الكويت في العشرينات التي ترعرع بها حيث إن الاقتصاد كان مبنياً على «الغوص والسفر» بصورة رئيسة، وكل من يريد المزيد عليه قراءة كتاب الاقتصاد الكويتي القديم للدكتور عادل العبدالمغني، إلا أن عبدالعزيز حسين، استطاع بناء شخصيته بصورة كبيرة وعميقة منذ صغره.

وقد نهل ابن الكويت من مكتبة والده السيد ملا حسين عبدالله التركيت... ففي العشرينات قلة من كانت لديها القدرة على اقتناء الكتب، فوجد كتاب «الموطأ» للإمام مالك، الذي كتب في فيلكا عام 1682. وقرأ الكثير من أمهات الكتب والمجلات التي كانت تصل إلى الكويت بين فترة وأخرى بصورة شبه منتظمة.

ويعتبر الراحل من جيل وجد مدارس نظامية، هي المباركية ثم الأحمدية ثم سافر إلى مصر للدراسة الأكاديمية مع رفيق دربه الشاعر الراحل أحمد العدواني، ومعهما ثلة من الشباب الكويتي، فحصل على الشهادة العالمية من كلية اللغة العربية في جامعة الأزهر عام 1943. ثم درس في الجامعة نفسها تخصص التدريس بكلية التربية عام 1954، وتبعهما بدبلوم المعهد العالي للمعلمين التابع لجامعة القاهرة في العام نفسه.

بعدها انتقل لدراسة التربية وعلم النفس في جامعة لندن عام 1950 ليحصل على شهادتي دبلوم عام 1950، الأولى في التربية المقارنة، والثانية كانت دبلوم في الزمالة، وهو دبلوم خاص يقدم صاحبه رسالة في موضوع معين ليعتبر زميلاً في الجامعة، وهذا ما حدث.

بعد تخرجه تم تعيينه خارج الكويت، فكان رئيساً للبيت الكويتي في القاهرة، والذي افتتح بحضور الرئيس جمال عبدالناصر، وهو بيت للطلبة الكويتيين الذين يدرسون في القاهرة، ثم تحول البيت إلى سفارة الكويت، وكان الطالب حمد الرجيب مساعداً له في إدارة البيت الكويتي.

عاد حسين، لخدمة بلده من الداخل، فعمل مديراً للقسم الفني في دائرة المعارف في الخمسينات، ثم مديراً لمجلس المعارف، حيث كان له دور رئيس في اقناع المسؤولين بضرورة تعليم الفتيات، فكان ذلك.

وعندما أصبحت الكويت دولة بشكل رسمي عام 1961، تم تعيينه سفيراً لدى مصر لمدة ثلاث سنوات ثم تم استدعاؤه ليصبح وزيراً عام 1965.

ومن أهم إنجازاته نشأة جامعة الكويت مع بعض الشخصيات، منها الشاعر أحمد العدواني، وهي شخصيات لديها بعد نظر فوقع الاختيار على مبنى ثانوية الشويخ وتم تسويرها واعدادها لتصبح جاهزة تدريجياً لتكون جامعة.

ومن أهم إنجازات المربي عبدالعزيز، إنشاء المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عام 1973 مع الشاعر الراحل أحمد العدواني، وفق نظرة ثاقبة لترسيخ الثقافة الكويتية والعربية عبر إبداعات مشتركة، وكان معهما كوكبة مبدعة أمثال الدكتور خليفة الوقيان، وسليمان العسكري وسليمان الخليفي وعبدالعزيز السريع، والدكتور فؤاد زكريا وصدقي حطاب في مراحل مختلفة، وتلك الأسماء للذكر وليس للحصر.

وهناك مؤسسات أخرى كان وراءها عبدالعزيز حسين، مثل معهد الكويت للأبحاث العلمية والهيئة العامة للجنوب والخليج العربي وكلية العلوم والتكنولوجيا بالقدس والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم والخطة الشاملة للثقافة العربية ومشروع مكتبة الاسكندرية العالمية ومعهد تاريخ العلوم العربية الإسلامية في جامعة فرانكفورت ومعهد العالم العربي في باريس. وكم تمنيت أن يقوم تلفزيون الكويت بإنتاج برامج وثائقية عن تلك المنجزات الفكرية ودور الكويت في نشأتها عبر ابنها البار.

ومن إنجازاته أنه وراء إصدار مجلة «البعثة» في مصر عام 1946، وكان رئيساً للتحرير، وفتح المجال للطالبات الكويتيات أن ينشرن مقالاتهن باسمهن الصريح من دون حرج. ثم انه قام بإنشاء المرسم الحر الذي كان شعلة نشاط للفنان التشكيلي الكويتي المبدع.

وللراحل بصمات كثيرة أهمها أنه كان يرعى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الذي منح الكويت ألقاً ثقافياً عميقاً في الوطن العربي، كما أنه كان سياسياً محنكاً، وكان على علاقة طيبة مع كل التيارات الفكرية والسياسية خصوصاً التكتلات في مجلس الامة، وكل من زار ديوانيته الأسبوعية في منطقة الشويخ يدرك ذلك.

وله مؤلف لمجموعة محاضرات قدمها بعنوان «محاضرات عن المجتمع العربي بالكويت»، وقد أصدرت دار سعاد الصباح كتاباً بعنوان «عبدالعزيز حسين وحلم التنوير العربي». كما تم تكريمه في اليوبيل الذهبي للإعلام في الكويت عام 2003. وأعلنت رابطة الأدباء اتفاقها مع وزارة المواصلات على إصدار طوابع بريدية تذكارية تخليداً لذكرى رواد الحركة الثقافية، وكان عبدالعزيز حسين، ضمن الأسماء.

كم تمنيت أن يقوم تلفزيون الكويت بإنتاج برامج وثائقية عن الشخصيات الثقافية الكويتية وفي مقدمها عبدالعزيز حسين، إضافة إلى أن يتم تكليف شخص بكتابة كتاب عنه، وأفضل من يقوم بذلك الشاعر الدكتور خليفة الوقيان، صاحب أفضل كتاب ثقافي كويتي «الثقافة في الكويت - بواكير واتجاهات»، أو الدكتورة عادلة التركيت، فهي ابنة شقيقة رائد التنوير التعليمي والثقافي في الكويت الذي توفي في التاسع من يونيو عام 1996.

همسة:

عبدالعزيز حسين، شخصية فذة لن تتكرّر في المجالات كافة.