سعر الذهب يقفز 65 % منذ بداية 2025

ما «صدمة نكسون» التي حذّر من تكرارها «غولدمان ساكس»؟

20 أكتوبر 2025 10:00 م

يؤكد الخبراء أن الارتفاع الأخير في أسعار المعادن النفيسة، وتحديداً الذهب، ارتفاع حقيقي وراسخ، حيث نقلت مجلة فورتشن عن خبيرة إستراتيجيات السلع في «غولدمان ساكس للأبحاث»، لينا توماس، قولها بإن هذا الارتفاع ليس مجرد ضجة إعلامية بل «يظل قائماً على العوامل الأساسية وليس على الجنون».

واليوم، يبدو أن التاريخ يعيد نفسه بطريقة مثيرة للقلق. حيث يحلّق الذهب لمستويات تاريخية مدفوعاً بالطلب الجامح من البنوك المركزية في الصين والهند، والمستثمرين الأفراد الذين يبحثون عن حماية من التوترات الجيوسياسية والديون الحكومية الأميركية التي بلغت 35 تريليون دولار.

ومنذ بداية 2025 شهد سعر الذهب قفزة هائلة بلغت 65 %، مدفوعاً بحالة عدم اليقين الاقتصادي المتزايدة التي خلقتها الرسوم الجمركية، ما أدى إلى تراجع قيمة الدولار الذي كان يُنظر إليه كملاذ آمن، ويتوقع «غولدمان ساكس» أن يصل السعر 4900 دولار بنهاية 2026.

استسلام «وول ستريت»

وتقول «فورتشن»، إنه رغم أن الذهب غالباً ما يُعتبر أداة تحوّط لا تُدرّ فوائد أو أرباحاً، فإنه يتألق في أوقات الاضطراب الاقتصادي بصفته ملاذاً آمناً نظراً لقيمته المحدودة والمتأصلة كسلعة، وقد أجبرت هذه الحمى الأخيرة حتى أشد المتشككين في «وول ستريت» على تغيير موقفهم.

وفي هذا السياق، اعترف جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورغان تشيس، المعروف بعدم تفضيله للذهب، قائلاً: «هذه إحدى المرات القليلة في حياتي التي يكون فيها من المنطقي تقريباً امتلاك بعض الذهب في محفظتي».

وقارنت توماس، خبيرة «غولدمان»، بين الارتفاع الحالي وحمى الذهب التي سادت في سبعينيات القرن الماضي، حيث قفز سعر الذهب من 35 دولاراً عام 1970 إلى 850 دولاراً عام 1980، بزيادة تجاوزت 2300 %.

ما صدمة نكسون؟

قبل أكثر من نصف قرن، أعلن الرئيس الأميركي نكسون عن صدمة غيّرت وجه الاقتصاد العالمي، محولاً الذهب من عملة محظورة إلى ملاذ آمن يرتفع سعره إلى السماء. اليوم، مع تجاوز أسعار الذهب عتبة الـ4200 دولار للأونصة، ويتساءل المحللون: هل نعيش «حقبة نكسون الثانية»، حيث يفقد الدولار مركزه كملك العملات، ويصبح الذهب النجم اللامع في سماء الاضطرابات الاقتصادية؟

وتعود جذور القصة إلى 15 أغسطس 1971، عندما ألقى نكسون خطاباً تلفزيونياً مفاجئاً أعلن فيه تعليق تحويل الدولار إلى الذهب للدول الأجنبية، ما أنهى نظام بريتون وودز الذي ربط العملات العالمية بالذهب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وكان الدولار يُباع بسعر ثابت قدره 35 دولاراً للأونصة، لكن الضغوط الاقتصادية – من عجز التجارة الأميركي الناتج عن حرب فيتنام والإنفاق الحكومي المفرط – أدت إلى استنزاف احتياطي الذهب الأميركي بنسبة 50 % خلال عقد.

أضف إلى ذلك التضخم المتسارع (5-6 % سنوياً) والركود، وستجد أن «صدمة نكسون» لم تكن مجرد إجراء، بل إعلاناً ببداية عصر العملات الورقية غير المدعومة بسلعة حقيقية.

تجميد الأجور

ولم يتوقف الأمر عند تجميد الأجور والأسعار لـ90 يوماً، أو فرض رسوم جمركية بـ10 % على الواردات لدعم الصناعات الأميركية، بل امتد التأثير إلى سوق الذهب، الذي تحول من أداة حكومية إلى أصل حر يتداول في الأسواق المفتوحة.

وفي غضون أشهر، ارتفع سعر الذهب من 35 دولاراً إلى 43 دولاراً بنهاية أغسطس 1971، ثم إلى 70 دولاراً بحلول أغسطس 1972. ومع اندلاع أزمة النفط الأولى في أكتوبر 1973 – جراء حرب أكتوبر– انفجر السعر إلى 97 دولاراً، مدفوعاً بارتفاع أسعار النفط 300 % والتضخم العالمي، وبحلول ديسمبر 1974، بلغ 195 دولاراً، وفي يناير 1980، وصل ذروته التاريخية عند 850 دولاراً، مسجلاً ارتفاعاً يفوق 2300 % في عقد واحد.

وكان هذا (الارتفاع الحاد) مدفوعاً بعوامل مترابطة: فقدان الثقة في الدولار، الذي انخفض 7-10 % مقابل العملات الأوروبية فور الصدمة، والتوترات الجيوسياسية مثل أزمة الرهائن في إيران وغزو أفغانستان.

وفي 1974، سُمح للأميركيين بشراء الذهب للمرة الأولى منذ 41 عاماً، ما أطلق طلباً مكبوتاً دفع السعر إلى مستويات قياسية. أدى ذلك إلى تضخم مع ركود(stagflation) حيث وصل التضخم الأميركي إلى 13 % في 1979، وارتفعت أسعار الغذاء 30 % بشتاء 1973. وأصبح الذهب ليس مجرد معدن، بل رمزاً للملاذ الآمن في عالم يفقد توازنه.

هل سيكون ارتفاع الذهب مستداماً؟

بعض المحللين يحذّرون من تصحيح محتمل إذا رفعت الفائدة، كما حدث في الثمانينيات عندما انخفض السعر إلى 300 دولار.

ويقارن خبراء الوضع الحالي بـ1971، حيث أدى الإنفاق العسكري والعجز التجاري إلى انهيار الثقة. واليوم، تضيف الديون المرتفعة والتوترات مع الصين طبقة أخرى من الغموض، ما يجعل الذهب خياراً مفضلاً للبنوك المركزية التي اشترت كميات قياسية هذا العام.

وتأتي هذه التطورات في وقت يعاني فيه الدولار من انحسار مركزه العالمي. ومع تزايد استخدام اليوان الصيني في التجارة الدولية، والتحالفات الجديدة في آسيا وأفريقيا التي تتجنب الاعتماد على الدولار، تفقد العملة الأميركية بريقها كعملة احتياطية.

وفي النهاية، تذكرنا «حقبة نكسون» بأن التغييرات الجذرية في النظام المالي لا تأتي دون ثمن. ومع اقتراب نهاية 2025، يبقى السؤال مفتوحاً: هل سيصبح الذهب المنقذ الجديد، أم مجرد فقاعة في بحر الاضطرابات؟ المستثمرون يراقبون، والتاريخ يهمس بإجابات قد تكون أقرب مما نعتقد.