ألوان

البخيلات للجاحظ

20 أكتوبر 2025 10:00 م

لديّ صديق مثقّف يميل إلى القراءة بصورة كبيرة تفوق الآخرين، وكان يحب الجاحظ كثيراً... التقيته صدفة في أحد المستشفيات الحكومية أخيراً، فسألته بعد السلام، هل قمت بتأليف كتاب عن «البخيلات»؟ فابتسم وقال، لا ليس بعد!

وقصة ذلك الأمر، أنّ صديقنا هذا كان معجباً بالكثير من الأدباء، لكنه كان مُولعاً بأبي عثمان عمرو بن بحر بن محبوب بن فزارة الليثي الكناني البصري، المعروف بالجاحظ، وكان يحدثنا كثيراً عنه وعن مُؤلفاته.

كما كان يذكر لنا طرقه التي كانت غريبة علينا، إذ لم نسمع بها من قبل لدرجة أننا بتنا نطلق عليه «علوقة» بالجاحظ، ونناديه بهذا الاسم بدلاً من اسمه... وكان ذلك الأمر قبل أكثر من نصف قرن من الزمن.

ومن بين الأمور أيضاً، أننا كنا نحثه على أن يقوم بتأليف كتاب لما يمتلك من قدرة على الكتابة، كما أنه كان مميزاً بحصة التعبير اللغوي بمادة اللغة العربية، وكان يقضي وقت الفرصة أيام الدراسة في مكتبة المدرسة، إلا أننا كنا نضيف إليه مازحين أن الجاحظ كتب «البخلاء»، فلماذا لا تقوم بتأليف كتاب يحمل اسم «البخيلات»؟ وقتها ضحكنا كثيراً، خصوصاً أننا ذكرنا له بعض الأسماء من النساء اللاتي تخطى بُخلهن امرأة كريم العرب حاتم الطائي، حليمة.

والبخل صفة يمتلكها الإنسان من دون أن يرتبط ذلك بعائلته أو بلده... لكنني أؤمن بأن الكرم والشجاعة مرتبطان بشخص بذاته، فقد تجد شخصاً كريماً وشقيقه بخيلاً، وقد تجد شخصاً شجاعاً وشقيقه عكسه... وهكذا.

خلال تطوعي في العديد من الجمعيات على مدى أكثر 60 عاماً، عرفت عن قرب بعض النماذج التي تبتكر أموراً بالبخل الشديد، رغم أن البعض منهم، يمكن أن يوصف بالثراء الكبير.

ومن بين تلك النماذج، أن بخيلة كان يطلق عليها صديقي «أم الكشري»، لأنها في الغداء الأسبوعي، كانت لا تأتي إلا بالكشري، بينما زميلاتها يأتين بأطيب المأكولات، ناهيك عن الحلويات...

وهناك شخصية نسائية معروفة، عرضت عليها إحدى السفارات العربية أن تحضر تلبية لدعوة بهدف تكريمها، فما كان منها إلا أن طلبت تذكرة درجة أولى مع فندق خمس نجوم وعشاء فاخر وتغطية إعلامية، فكانت الصدمة ممن اجتمع بها، إذ قال لها أنت تتكلفين بكل شيء ونحن نتوقع منك تبرعاً سخياً... فرفضت وانصرفت.

هناك سيدات كويتيات وعربيات ومسلمات يتصفن بالكرم وبالعطاء في شتى المجالات، إنّما البخلاء حاضرون في كل بلد.

همسة

قلت لصديقي إنني سأكتب عنك فاشترط عدم ذكر اسمه...