الاختيار... أمانة

16 أكتوبر 2025 09:00 م

ليست الأمانة صندوقاً من ودائع ولا رقماً في ميزان الحساب، بل هي نبضٌ من ضميرٍ يتهدّى في دروب القرار.

وأثقل الأمانات على الكتف: أن تختار.

أن تضع الإنسان المناسب في موضعه (الإداري، الرياضي، التنفيذي، التربوي..إلخ )، لا لأنك تعرفه، بل لأنك تعرف قدره.

في التاريخ تجارب وعِبر لمدرستي الاختيار، قومٌ جعلوا من الاختيار علماً يُدرَّس، فاختاروا عقولاً تُجيد الإصغاء قبل الكلام، وتجيد العمل قبل الظهور.

لنا في الشرق وأقصد اليابان تحديداً وغيرها من الدول التي سارت في الركب ذاته، عِبرة، حيث يُقاس المنصب بسنوات من الجدّ، وحيث تحوّلت المؤسسات إلى مواسمٍ دائمة للإبداع. لا يعلو فيها الصوت، بل تُسمع فيها الفكرة، وتُكرَّم الكفاءة ولو تأخرت في الوصول.

وفي جهات أخرى، كانت البدايات واعدة كصباحٍ جديد، ثم ما لبث الضباب أن غشى الطريق، حين غلبت العاطفة على العقل، واصطفت الوجوه قبل العقول... غاب البناء، وتعطّل النهر عن الجريان. ما خانتهم الموارد، بل الاختيار.

الاختيار ليس ورقة توقَّع ولا توصية تُمرَّر، بل ميزانٌ للنية قبل أن يكون ميزاناً للكفاءة. فمن أخلص في اختياره، حرّك دائرة الضوء نحو المستقبل، ومن تساهل، حجب عن أمّته فرصةً كانت تستحق أن تُولد.

ليست المسألة أن نُجيد الانتقاد أو نُتقن المديح، بل أن نحسن كل اختيار. فالاختيار الخاطئ يستهلك الوقت والمال والروح، أما الاختيار المدروس فيُثمر طمأنينةً تمتدّ للجميع: لمؤسسةٍ تنمو، ولمجتمعٍ يثق، ولمستقبلٍ يُبنى على يقين.

فالاختيار أمانة ومن وعى الأمانة، أدرك أن النهضة تبدأ من قرارٍ صادقٍ في لحظة اختيار.