سافر إلى ذاتك

غيّروا أعتابكم تتغيّر قصصكم

15 أكتوبر 2025 10:15 م

الحياة لا تتغيّر حين تتبدّل الأيام أو الوجوه من حولنا، بل حين نبدّل العتبة التي نقف عندها. العتبة ليست باب بيتك، بل باب وعيك، النقطة التي تبدأ منها نظرتك إلى نفسك والعالم. أحياناً نقف طويلاً عند عتباتٍ أنهكتنا، ننتظر منها حكاية جديدة، لكنها لا تمنحنا سوى التكرار.

كثيرون يعيشون في دوائر مغلقة لا لأن القدر يعاندهم، بل لأنهم يقفون عند الباب نفسه كل مرة. يعيدون الخطأ نفسه، بأسلوب مختلف، لأنهم لم يبدّلوا العتبة. من يكرّر المكان ذاته في داخله، سيكرّر الحكاية ذاتها في حياته.

العتبة قد تكون فكرة قديمة نؤمن بها من دون أن نراجعها، أو شعوراً بالخوف يمنعنا من التقدّم، أو عادةً فكرية نكررها من دون وعي. بعض الأعتاب تقيّدنا أكثر مما تحمينا، وبعضها يغلق علينا النور ونحن نظن أنه الأمان.

تبديل العتبة لا يعني الهرب من الواقع، بل يعني أن نبدّل زاوية النظر إليه. أن نتحرّر من أسلوب التفكير الذي يُعيدنا دائماً إلى البداية ذاتها. أن نقول «ربما كنت أحتاج أن أرى الأمور من نافذة أخرى».

أتذكّر شاباً كان يشتكي أن حياته مليئة بالفشل رغم اجتهاده. وحين بدأنا نناقش طريقته في التفكير، وجد أنه كل مرة يبدأ مشروعاً، يفعل ذلك من باب الخوف من الفقر، لا من باب الرغبة في النجاح. كان يسعى لينجو، لا ليبدع. فكانت كل مشاريعه قصيرة العمر. وحين قرّر أن يبدأ من باب الشغف لا الخوف، تغيّر كل شيء. نجح، لا لأنه وجد فكرة جديدة، بل لأنه غيّر العتبة التي دخل منها.

العتبة ليست مكاناً خارجياً، إنها طاقة داخلية. حين تغيّر نيتك، تتغيّر النتيجة. حين تغيّر طريقتك في الكلام، تتغيّر طبيعة الحوارات التي تعيشها. حين تغيّر نظرتك للحياة، يتغيّر نوع القصص التي تختبرها.

تخيل أنك تفتح باب بيتك كل صباح، فتجد أمامك الجدار نفسه، الزاوية نفسها، المنظر ذاته. وفي يوم قرّرت أن تفتح باب الشرفة بدلاً من الباب المعتاد. المدينة لم تتبدّل، لكنها بدت مختلفة لأنك نظرت إليها من زاوية أخرى. كذلك هي الحياة، ليست المشكلة في المدينة، بل في العتبة التي اخترت أن تنظر منها.

التغيير لا يحدث بالصدفة، بل بالقرار. الحياة لا تكافئ المكرّرين، بل من يملكون شجاعة التبديل. حين تغيّر العتبة التي تقف عندها، لا تتبدّل الأرض فحسب، بل يتبدّل المعنى كله في داخلك.

تذكّر، قالت د. نادية الخالدي: «حين تغيّر العتبة التي تقف عليها، لا تتغيّر الأرض فقط، بل تُعاد كتابة قصتك من جديد».

تحياتي...