خارج الصندوق

الثابت والمتغيّر

5 أكتوبر 2025 10:00 م

في قوانين الكون، ثوابت ومتغيرات وحتى الثوابت والمتغيرات؛ تكون الثوابت متغيرة بتغير الثابت؛ ويثبت المتغير بتغير المتغير، فلا علاقة لهذا بذاك، ولا لذاك بهذا ولا لتلك بهذه، غير أني أريد القول بشيءٍ من الفلسفة بأن جسم الإنسان ثابت في داخله، وثابت في تغير ما يتناوله، ومتغيرٌ في ظروفه الخارجية والأجواء المحيطة وحركته الجسمانية وتفاعلاته النفسية والتي تجعل عملية حرق الأكل عنده مختلفة بتغير الظروف، فينحف حيناً ويسمن، ويزداد وزنه حيناً آخر حتى لو ثبتت السعرات الحرارية والكميات التي يأكلها والطاقة التي يحرقها يومياً، فقد يزداد وزنه بشكل ملحوظ ولكنه جميل المظهر، وقد ينحف بشكل بشع رغم الظروف ذاتها، فليست السمنه بشاعة، وليست النحافة جمالاً بشكل ثابتٍ دائماً.

رغم تعرّض الإنسان والأفكار لهذه الضغوطات الفكرية والنوازع النفسية والمؤثرات الخارجية، قد يتأثر الشخص بالزيادة الفكرية الظاهرة التي يعتبرها بشاعة وقد يحزن للنحافة الفكرية ويظنها جمالاً، ولكن عند الاستسلام الفكري للمتغيرات التي قد تكون عمرية أو مرحلية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو القراءات والتحليلات العقلية التي تأخذ بيدك أحدها لتسلمك لأخرى والأخرى إلى التي بعدها تجد أنك نحفت ذهنياً بتنازلك عن أفكارٍ كانت كالشحوم المتكدسة البشعة المظهر الثقيلة على عقلك ونفسك، لتمتلئ أو تنتظر الامتلاء في ما هو أجمل و أفضل من الذي تركته وتنازلت عنه أو حرقته الأيام.

الأفكار ليست ثوابت رغم ثبوت التفكير فهي متغيرة بل وفضفاضة بقدر ما تريد أنت تغييرها من فكرة صغيرة إلى متوسطة إلى كبيرة الحجم أو من سطحية إلى عميقة.

وانظر إلى الأفكار صغيرها وكبيرها قبل ارتدائها، وإن ارتديت فارتدِ التي تناسبك بشرط أن تفكر كل فترة في ما إذا كانت الأفكار مناسبة لسنك وشكلك وجنسك، أم تحتاج إلى تغييرها، الثابت أنك لا بد أن تلبس، والثابت أيضاً أنك لا بد أن تغير هذا الثابت بقدر تغير ذهنك وعقلك وعمرك وتعاملاتك مع من حولك، ومصارحتك لنفسك بالحاجة الى التفكير.

قد ينتقد المجتمع تغير أفكار شخص ما؛ في كتابته أو طريقة تفكيره، أو طرحه ومبادئه، أو عاداته الاجتماعية، أو سلوكياته اليومية، ويدعونه بالمتقلب المتناقض، وبعد أن تقلبت أنا في أفكاري ومعتقداتي أظنني عرفت أن المتقلب بأفكاره ومعتقداته قد يكون أصدق وأثبت من مدعي الثبات، بغض النظر عن صحة ما ثبتوا عليه من عدمها.

فالأصل هو التغيير، فكم من عزلة أنتجت أفكاراً ذات تبصر بواقع يحتاج منا تأملاً وخوضاً و نقاشاً، وكما جاء في الحديث «مَنْ ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه»، وهذا الشيء قد يكون فكراً أو مبدءاً خاطئاً أو سلوكاً تركته ليعوضك الله خيراً منه.

أعتقد أن الإنسان يمر بين حين وآخر بحاجات كثيرة يعرفها وقد لا يعرفها، ولكنها تبدو لي كشعور الهزات الباطنية التي لا تستقر بك على ما كنت ترتاح وتسكن إليه سابقاً، و جزء من الوعي إدراك الحاجات أو التفكير فيها، والعزلة جزء من الحاجات البشرية الماسة للإنسان قلباً وروحاً وعقلاً ليتغير، فإن ظن بهذا التغير أنه فاز فهذا هو الخسران المبين وإن ظن أنه تغير وبحاجة إلى جرد أفكاره و نوازعه بين حين وآخر لمراجعة نفسه وأفكاره فذلك هو الفوز البشري بجوهرة عقله.

وهذه مرحلة مررت بها وأعتقد بأني أعود فأنطوي بعدها لفترة قد تكون قصيرة وقد تكون بعيدة، وقد يكون كلامي هذا كله ادعاءً لتبرير كسلي عن الكتابة!

أو على حسب حاجتي للكلام، أو تجنباً لمواجهة المجتمع المدّعي للكمال والثبات.

[email protected]