حروف نيرة

وتبقى المرأة عالية

23 سبتمبر 2025 10:00 م

المرأة شريكة في بناء الحضارة، تسهم بعلمها وعملها وفكرها، وقد شهد كبار العلماء والمفكرين قديماً وحديثاً بنجاحها وتفوقها في ميادين الطب والهندسة والتعليم وسائر التخصصات. واليوم، لم تعد إنجازاتها مجرد استثناءات فردية، بل أصبحت واقعاً حاضراً يبرهن على قوة عطائها وعلوّ مكانتها.

لم تعد الصورة النمطية للرجل الذي يقف في طريق المرأة هي السائدة اليوم؛ فقد أصبح الزوج يساند زوجته، يشجعها على الاستمرار، ويفتخر بما تحققه من رفعة وتميّز.

وكما اعتدنا أن نسمع «وراء كل عظيم امرأة»، فنقول «وراء كل عظيمة رجل»، وهو الرجل المتفتح العاقل، ويظل حضورها عظيماً، سواء وُجد السند أو غاب، وسواء لقيت العدل أو واجهت الظلم.

لكن، في المقابل، هناك فئات تحاول التضييق على المرأة وإعاقة مسيرتها. تروّج هذه الفئات لمبررات مثل: الخوف عليها أو الحفاظ على أنوثتها، أو أن في ذلك مخالفة للشرع.

كالذي يرفض عمل المرأة في ميادين كالمجال الطبي بحجة أن مكانها البيت، لكنه في اللحظة نفسها يُصرّ على وجود طبيبات لرعاية زوجاته وبناته! مفارقة تكشف أن الاعتراض لا يقوم على منطق شرعي، بل على تقاليد متناقضة لا تصمد أمام أبسط اختبار.

وهنا يتضح أنه كثيراً ما تتخفى العادات والتقاليد في ثوب الدين، فيحاول الرجل الوقوف في طريق المرأة مستنداً إلى أدلة في غير محلها، أو بتفسيرات مجتزأة لا تعكس روح النصوص، والحقيقة أن الدين في جوهره لا يتعارض مع مشاركة المرأة في العلم والعمل، بل يحثّ على ذلك بما يخدم المجتمع والإنسانية، والأمثلة كثيرة، منذ القدم.

وهناك بيئات أخرى تحمل ظلماً خفياً مستتراً؛ لا يُمارَس فيه القمع بالصوت العالي أو بالكلمات الجارحة، بل بصمتٍ بارد يترك جرحاً أعمق. يُقصي صوت المرأة لا بالاعتراض المباشر، بل بالتجاهل المتعمد، وكأنها غير موجودة. وغالباً ما يكمن وراء هذا التجاهل خوف دفين من رفعتها وتميّزها؛ فالتفوّق يهدد من اعتادوا أن يكونوا في الصدارة.

وهكذا تُقدَّر المجاملات أكثر من الكفاءة، ويُرحَّب بمن يُجيدون الصمت والانصياع، بينما تُهمَّش من تُظهر رأياً يرفعها ويُضعف فكرهم وقدرهم، هذه الملاحظات مستخلصة من سنوات طويلة من الملاحظة والتجربة الواقعية، مما يجعل فَهم الظلم الصامت أكثر وضوحاً ودقة.

وفي ظل هذا التسلّط المقنّع، يبدو أمام المرأة طريقان لا ثالث لهما: البقاء في الهامش، أو اختيار الطريق الصعب وتحمل تبعاته، وهو طريق المرأة القوية التي يُخاف من رفعتها.

فالظلم المستتر قد يكون أشد وطأة من العنف الصريح، والمواجهة ليست دائماً صراخاً، بل هي صمتٌ واعٍ، وهو الأشد قوة. وذلك في أماكن تحكمها صرامة دينية أو اجتماعية، يصعب كشف هذه الصراعات.

ورغم ما تعانيه المرأة من تضييق ظاهر أو قمع مستتر، فقد أثبتت أنها قادرة على تجاوز العقبات وتحقيق طموحاتها. المجتمع الواعي هو الذي يحتفي بإنجازاتها ويدعمها، لأنها لا تثبت قدراتها اليوم من جديد، بل تؤكدها كل يوم بواقع ملموس. وأي محاولة لتقليل شأنها أو إسكات صوتها ليست ظلماً لها وحدها، بل للمجتمع كله. ومهما طال طريق الظلم الصامت، تبقى المرأة عالية بعطائها وكرامتها.

aaalsenan @