رغم صغر حجم دول مجلس التعاون الخليجي على خارطة العالم من حيث المساحة والسكان، إلا أن تأثيرها الاقتصادي والسياسي يفوق بكثير حجمها الجغرافي. فهي تمتلك أكثر من ثلث احتياطيات النفط العالمية وما يقارب ربع احتياطيات الغاز، وتبلغ قيمة الناتج المحلي الإجمالي لدول المجلس مجتمعة أكثر من 2.5 تريليون دولار (2024)، ما يجعلها ضمن أكبر الاقتصادات العالمية.
الهجوم الإسرائيلي الأخير على الأراضي القطرية في التاسع من سبتمبر، شكّل جرس إنذار حقيقياً، حيث كشف مدى هشاشة الاعتماد على الحماية الدولية التقليدية. فقد بدا واضحاً أن اتفاقيات الدفاع مع القوى الكبرى قد لا تكون كافية عندما تتعارض مع مصالح تلك الدول. هذا الحدث أكد أن فكرة الاتحاد الخليجي لم تعد خياراً سياسياً، بل ضرورة إستراتيجية لحماية الأمن والسيادة.
فكرة الاتحاد ليست جديدة؛ فقد طرحها الملك عبدالله بن عبدالعزيز عام 2011، واليوم يعيدها إلى الواجهة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، من خلال توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع باكستان، واصفاً الاعتداء الإسرائيلي على الدوحة بأنه «عدوان وحشي يتطلب رداً عربياً وإسلامياً ودولياً».
هذه الخطوة تُعد، بحسب المراقبين، أول تحرك دفاعي خليجي عملي منذ عقود، ورسالة واضحة بضرورة العمل الجماعي.
- أمنياً: دول الخليج تنفق مجتمعة أكثر من 100 مليار دولار سنوياً على التسليح، ومع ذلك يبقى التنسيق الدفاعي محدوداً. الاتحاد يمكن أن يخلق قوة ردع مشتركة فعالة. وهي قلب العالم الإسلامي فلو تعرضت لأدني اعتداء ونادت «حي على الجهاد» لجاءها المدد الإسلامي كجنود للدفاع عنها من كل دول العالم.
- اقتصادياً: حجم التجارة البينية الخليجية لا يتجاوز 10 % من إجمالي تجارتها الخارجية، بينما في الاتحاد الأوروبي تصل النسبة إلى أكثر من 60 %. الاتحاد يمكن أن يضاعف التبادل ويعزز الاكتفاء الذاتي.
- إعلامياً وسياسياً: تنسيق المواقف وتوحيد الخطاب الإعلامي سيمنح المجلس ثقلاً عالمياً أكبر، ويجعل صوت الخليج أكثر تأثيراً في القضايا الإقليمية والدولية.
التاريخ والجغرافيا والمصالح الاقتصادية والتهديدات الأمنية كلها تقول شيئاً واحداً: الاتحاد الخليجي ضرورة وليس خياراً. فهو السبيل لضمان أمن واستقرار وازدهار شعوبنا، وتحصين منطقتنا ضد التحديات المقبلة.
إن ما يجمع دول الخليج من عقيدة وثقافة وتراث ومصير مشترك أكبر بكثير من أي خلافات جانبية، والوقت لم يعد يسمح بالتأخير.
الأمة الخليجية جزء لا يتجزأ من الأمة العربية والإسلامية، فهي فرصة لتجاوز كل ما قد يفرقنا ويشغلنا ويشق الوحدة العربية من خلافات جانبية، فالتحديات اليوم واحدة والعدو واحد والمصير واحد، فلا بد من الاتحاد الخليجي لقيادة مستقبل واستقرار المنطقة.