يوضّح جُرجي زيدان الأديب والباحث في اللغات أنّ (اللغة كائن حي)، ومفاده أن اللغة تولد وتنمو وتموت وتندثر، ومن ثم يمكن أن تولد من جديد من خلال إحيائها مرة أخرى، ثم تتطور بشكل دوري تماماً كما دورة الحياة التي يمر بها الكائن الحي.
وكما في كل اللغات واللهجات، أيضاً لهجتنا العاميّة الكويتية بها ألفاظ ومفردات اندثرت أو في طور الاندثار، ومسببات وأسباب ذلك هو دخول ألفاظ جديدة للتعبير عن معانٍ وأدوات واستخدامات جديدة اقتضاها الانفتاح الواسع على العالم، وأيضاً من المسببات انتفاء الحاجة لاستخدام بعض المفردات الخاصّة بأدوات انتهت الحاجة لها أو دخول منتجات جديدة وعمليّة أكثر أو بمسميّات حديثة فرضها الواقع، وأيضاً هناك المفردات التي تمثّل حقبة سابقة انتهت بانتهاء عصرها وظروف حياتها ومعيشتها وأدواتها، كالمفردات البحرية التي كانت سائدة في زمن الاعتماد على البحر في المعيشة، كالغوص على على اللؤلؤ والسفر الشراعي التجاري، وأيضا أدوات واستخدامات أصحاب الحرف اليدوية والمهن القديمة واندثرت لدخول الآلات والمصانع الحديثة.
ومن ناحية أخرى، فإن هذه المفردات المندثرة أثّرت أيضاً وبالتبعية على الموروث الشعبي بشكل عام كالمقولات والكنايات وحتى الأمثال الشعبية وقصائد شعراء ذاك الزمان، فمن الصعب تداول هذا الموروث الشعبي في زمننا هذا بتلك المفردات التي اندثرت وانتفت الحاجة لها، إذ تكمن الصعوبة في ضرورة شرح ما تحتويه من مفردات في هذه الأمثال والكنايات وخلافهم، وبالتالي يؤثر هذا الشيء على سلاسة التواصل مع الغير لعدم دراية وفهم هذه المفردات من قبل غير معاصريها.
ومن المفردات التي اندثرت في لهجتنا العاميّة الكويتية نورد البعض على سبيل المثال لا الحصر وشرح ماهيّتها في مقالنا وبحثنا هذا في محاولة للتذكير بها، وبهدف الحفاظ على موروث شعبي من أمثال وكنايات ومقولات وقصائد شعرية تحمل معاني عميقة وتشرح ظروف وأسلوب حياة ومعيشة سابقة وبهدف تأريخ وترسيخ ما يمثّل هوية مجتمعية وبالتالي هويّة وطن.
من الألفاظ التي اندثرت نورد التالي مع الشرح والتشكيل لتبيان طريقة اللفظ:
- (الشَشْمَة أو الشَشْمات):
وهي النظّارة الطبيّة بالتحديد وأصبحت تطلق على الطبيّة والشمسية، واندثرت اللفظة عند افتتاح محلّات تجارية لبيع النظارات وبالتالي كان يُكتب على اللافتات المفردة (نظّارات).
- (المُصَرْ ):
هو منديل الجيب من الخام، ويتكررغسله بعد الاستخدام، واندثر بانتفاء الحاجة له بدخول المناديل الورقية التجارية ذات الاستخدام الواحد.
- (شَرَقْ وَرَقْ):
هو الورق الخفيف الملوّن الشفّاف، وكانت تطلق أيضا على كل منتج رديء الجودة بغض النظر عن ماهيته.
- (خَطْ الجِزُورَحْ):
كان يسمّى قوس قزح بهذه التسمية، واندثرت حين دخول التلفاز والصحف وتداول مفردة قوس قزح بها، وقد وردت التسمية (خَطْ الجِزُوزَحْ) في أغنية للمطرب الكويتي المشهور باسم (عبداللطيف الكويتي) وهو عبداللطيف العبيد ومن نظم شقيقه عيسى العبيد رحمهما الله يقول بها (شَيٍّ عجيب يا ولد منصور، هذا الغزال اللي تعدّانا،، أبو جبينٍ شاعلٍ بالنور،، خط الجزورح فوق خَدّينه) أي خدوده.
- (المْكَبِّس):
وهو عازف العود بالسابق.
- (دَبّابْ):
وهو السجن في السابق وجاء ذكره في قصيدة للشاعر الكبير (فهد بورسلي) رحمه الله ضمن قصيدة يقول فيها (سهران ليلي والمدامع يهلّون، خمس عشرة ليلة منامي بدَبّاب).
- (بَنْدْ):
وهي العطلة والإجازة والتوقف عن العمل.
- (سَعْدُوه):
هي سنّارة صيد الأسماك.
- (بَرْجوته أو بَرْجُوتَنْ):
الجيم تنطق جيما فارسية، وكانت تُطلق على محل الأواني المنزلية أو ما يعرف حاليا بمحل (لوازم العائلة) وكانت التسمية (برجوته أو برجوتن) نسبة لأول شخص افتتح مثل هذا النوع من المحال.
- (رَنْقْ):
القاف تنطق جيما قاهرية، وهو الصبغ والأصباغ في السابق، ويطلق على الشيء المصبوغ والملوّن اللفظ (امْرَنَّقْ) بإهمال الألف في أولها والقاف تنطق جيما قاهرية، وأيضا لدينا وصف للتعدد في الأشياء بالقول (أشكال وأرناق) ونطق الجيم ثابت كما في (رَنْقْ).
- (نَلْ):
مسمّى للحنفية أو صنبور الماء في السابق وهي مفردة من الهندية.
- (مِدْرِبانْ):
مسمّى للممر بين ناحيتين وجهتين.
- (طِقْطاقِي):
القافان تنطقان جيما قاهرية، وهو مسمَى للدراجة النارية سابقا، والاسم مشتق من صوت ماكينة هذه الدرّاجة.
- (خِنَّة):
مسمّى للعطر سابقا، ويقال لوصف الرائحة الجميلة بالوصف (خَنِينْ).
- (طُمْباخِيَّة):
هي الكرة التي يلعب بها الأولاد بشكل عام،وأصبحت تطلق حتى على لعبة كرة القدم في السابق.
- (مَيزْ):
هي الطاولة والمكتب، وتغيرت واندثرت بدخول التعليم النظامي ومفرداته الحديثة.
- (شِرِيصْ):
مسمّى للصمغ، وجاءت التسمية نسبة لطائر الشرياص الجارح حين ينشب مخالبه في الفريسة.
- (دِنْدَرْمَة)
مسمّى للمثلّجات في السابق (الآيس كريم)، والمفردة من العثمانية، حيث انتقلت لنا التسمية حين ورود ومعرفتنا بهذا المنتج.
- (عَكْسْ):
هي الصورة الفوتوغرافية، ويسمّى المصوّر (عَكّاس)، وجاءت التسمية من باب انعكاس صورة المرء صاحب الصورة على الورق.
- (مِشْخاطَة):
هي المسطرة من الأدوات المكتبية، والتسمية من (الشخط والشخوط) بمعنى الخط والخطوط الهندسية.
- (كَرْوَة):
هي الأجرة بشكل عام، وهي من العربية الفصحى (كرا) بنفس المعنى، واستبدلت حين دخول سيارات الأجرة النظامية والكتابة عليها اللفظ (أجرة) أو (للأجرة)، ويقال لمؤجّر الشيء سواء منزل أو سيارة أو خلافه اللفظ (امْكارِي) بإهمال الألف في أولها.
هذه بعض الشواهد على المفردات المندثرة في لهجتنا العاميّة أو التي تكاد أن تندثر، ونلاحظ هُنا أغلب هذه الألفاظ أجنبية ومسمّيات لأدوات تتغير وتستحدث بحكم الزمن والتطور والحداثة وتحل محلّها مفردات جديدة كما حال كل لغات ولهجات العالم، فاللغة (كائن حي) تولد وتنمو وتموت وتندثر كما ذكرنا في مستهل بحثنا ومقالنا هذا.
* الباحث في اللهجة والموروث الشعبي الكويتي
* عضو الجمعية الكويتية للتراث