حروف نيرة

غفلْتُ عنه... فربّاه الشارعُ!

2 سبتمبر 2025 10:00 م

في مجتمعاتنا، كثيراً ما يتساءل الناس بدهشة وحسرة: كيف ينحرف ابن عائلة صالحة؟ وكيف يضلّ من نشأ في بيت مليء بالقيم؟ والسؤال الأهم: هل صلاح الأهل يكفي وحده ليحفظ الأبناء أسوياء؟

الحقيقة أن البيت الصالح لا يضمن بالضرورة أبناء صالحين إن غابت التربية الواعية، فلا عجب أن يضلّ الولد عن الطريق الصحيح إذا لم يجد القدوة والتوجيه، وكما يقول المثل الشائع: «يُخلق من ظهر العالم فاسد»، وهي مقولة تصف واقعاً قد نراه، لكنها لا تعفي أحداً من مسؤولية التربية.

يروى أن عالماً كان يجلس في مجلسه العلمي، يُثني عليه الناس ويوقّرونه، بينما كان ابنه يُقتاد إلى مركز الشرطة بتهمة السرقة، اقترب منه أحدهم متعجباً: ابنك؟! معقول أن يفعل هذا وهو ابنك؟ فأجاب العالم بأسى: «غفلتُ عنه وأنا مشغولٌ بالتعليم... فربّاه الشارعُ».

هذه القصة تختصر الدرس: العِلم لا يغني عن التربية، عندما تقول لابنك: «لا تكذب»، ثم تطلب منه أن ينكر وجودك أمام زائر، فأنت تعلّمه الكذب عملياً، وإن حدثته عن الاحترام، ثم أهنت والدته أمامه، فأنت تشوّه قيم الاحترام، الأبناء يتعلّمون القيم من المواقف، لا من المحاضرات فقط.

وحتى مع بذل الأهل جهداً، تبقى الأخطار قائمة. فقد يأتي الانحراف من رفيق سيئ، أو لعبة إلكترونية تزرع أفكاراً سلبية، لم تعد البيئات الفاسدة خارج البيت فقط، بل تسكن اليوم هواتف الأبناء وتدخل غرفهم في غفلة منّا.

والحل ليس في المنع وحده، بل في القرب الصادق؛ أن يشعر الابن أن بيته هو الأمان، وأن والديه صحبة وملجأ، لا سلطة وخوف.

عندما ينحرف الابن، لا يكفي أن نقول: «ربّيناه في بيت خير».

صلاح الأهل لا يحمي بمفرده، ما لم يقترن بالحضور الواعي والتربية المستمرة. الضمير الحي لا يُورَّث، بل يُزرع، والقيم تُكتسب بالفعل لا بالاسم. فإمّا أن نزرعها نحن... أو يزرعها الشارع!

aaalsenan @