«المرأة القانونية والوصمة الاجتماعية»

30 أغسطس 2025 10:00 م

منذ أن أعلنتُ نيتي دخول كلية الحقوق، واجهت أصواتاً معارضة تعكس استهجاناً مجتمعياً مازال يلاحق المرأة القانونية. وحين اخترت مجال المحاماة أخيراً، تضاعفت تلك الأصوات السلبية، وإن بقيت الأصوات المؤيدة والمتفهمة، هي الغالبة.

ورغم أننا في زمن باتت فيه المرأة تتقلد مناصب عليا وتجلس على منصة القضاء، إلا أن النظرة المسبقة والاتهامات الباطلة، لاتزال تطاردها.

أحد أبرز الانتقادات المتكررة هو أن هذا المجال «مختلط». لكن، أليس الاختلاط جزءاً من حياتنا اليومية؟ فهو موجود في المجمعات، المقاهي، المستشفيات، الوزارات، والعديد من الأماكن العامة.

الاختلاط في ذاته ليس عيباً، بل ممارسة طبيعية للحياة الاجتماعية المعاصرة. بل إن المبالغة في الفصل لا تفرز إلا مجتمعاً عاجزاً عن بناء زمالة صحية أو التعامل مع الجنس الآخر بصورة سوية.

ثم إن الاختلاط في بيئة العمل ليس عشوائياً، بل تحكمه ضوابط الاحترام والتقدير والحدود الشخصية، ومن يتجاوزها يتحمل مسؤوليته الأخلاقية والدينية والاجتماعية.

أما الاتهام الآخر الذي يُلصق بالمرأة القانونية، فهو أنها «عُوبة» أو «ملسونة». وهي أوصاف جائرة لا تمتّ للحقيقة بصلة.

فالمرأة القانونية ليست سوى امرأة قوية، واعية بحقوقها وواجباتها، قادرة على إدارة حياتها وأسرتها بحكمة وصلابة نفسية. لسانها ليس أداة للبطش، بل وسيلة لإحقاق الحق وصوت للعدل. وإن استعملت معرفتها القانونية ضد شريكها، فذلك لا يكون إلا إذا رأت تعدياً واضحاً أو ظلماً بيّناً.

لذلك، لا يخشى الارتباط بامرأة قانونية، إلا من كان يعلم مسبقاً أنه سيظلمها أو لا ينوي معاملتها بإخلاص واحترام. أما من يراها «أقوى منه» فيخشى نجاحها، فذلك لا يعكس إلا عقدة نقص دفينة في شخصه.

العلاقات السليمة تقوم على الدعم والتشجيع والتفهم المتبادل، سواء كان النجاح في مجالها أو في مجاله، وهذا ما يحقق استقرار الأسرة ويؤسس لمعادلة عادلة وبناء بيت يسوده التقدير والتحضر.

في النهاية، المرأة تُقاس بأخلاقها وفكرها والتزامها، لا بمجرّد المهنة التي اختارتها.

أما الوصمة المجتمعية التي تُلصق بالمشتغلات في القانون، فلا تعكس حقيقة المهنة ولا حقيقتها الشخصية، بل هي نتاج مخاوف وأوهام متوارثة آن الأوان لتجاوزها.

لقد حان وقت التخلّص من الأفكار البالية التي لا تُغني ولا تبني، ومن العقول التي تردد بسطحية وضيق أفق ما لا تفهمه، ومن الأصوات التي لا تجيد سوى الترويج للعار والتخويف والتأنيب

فالمرأة القانونية هي الحاضر المتحضر والمستقبل الواعد... شريكة في بناء ذاتها أولاً، ومن ثم بناء أسرة عادلة ومجتمع أكثر وعياً بالحقوق والواجبات.