قيم ومبادئ

تراهم يحلبون النملة!

28 أغسطس 2025 10:00 م

يتفق الراسخون في علم الاجتماع السياسي، على رأي واحد في أنظمة الحكم العالمية التي تصلح للعالم بعد هذه الفوضى الأممية والكوارث البشرية في أفريقيا وجنوب شرقي آسيا والشرق الأوسط عموماً، وفشل جميع الجهود الرسمية في إحلال السلام ومحاربة الأمية والفقر...

فإذا كان هناك ضمير إنساني حي وصادق، فعليه أن يمنع طغيان وتعدي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، على مبادئ العدل والإنسانية في السياسة العالمية! وأن يكون تدبير مصالحها موكولاً إلى هيئة دولية، لا يضيع فيها صوت صاحب الحق الضعيف ولا تُنتهك سيادة الدول ولا تُنسى فيها حقوق ومصالح دول العالم الثالث والأكثر فقراً...

نسمع الآن عن جهود الوكالة الدولية للطاقة الذرية والخوف من شبح «تخصيب اليورانيوم»... فليست هذه مشكلة العالم اليوم، وإنما تعاني البشرية ممن يفتعل هذه المشكلات ثم يديرها مع مصالحه الخاصة، وهي مشكلة النزاع بين الإنسان والطبيعة، ومشكلة النزاع بين الانسان وبقية البشر، ومشكلة النزاع بين الإنسان ونفسه!

المشكلة الأولى من شأن العلم المعاصر، والثانية شأن سياسي أصيل، والثالثة شأن التدين والدراسات النفسية...

كما أن الضرائب والتضخم والبطالة والفقر لم تعد في عصر تكنولوجيا المعلومات والذكاء الصناعي، ضريبة لازمة ومحنة محتومة على الأكثرين من شعوب الأميركتين وأووربا... وإنما يعود الفشل في علاجها إلى رسيس من موروث العقائد والعادات البالية في المدارس التقليدية الاقتصادية، فأصبحت اليوم لا محل لها من الاعراب -كما يقال- وأن الحياة الحديثة قد أبطلت الحاجة إلى المزاحمة على الأرزاق، وجعلتها أقل ما يكون لزوماً ممن كانوا يتنازعون عليها، وأن المخاوف الرثّة التي خامرت نفوس الاقتصاديين دهراً طويلاً، لا ضرورة لها الآن، وأن الإنسان العصري في وسعه أن يزيل وساوس الخوف والقنوط بالعمل والإنتاج بكل الأصعدة... إذا تخلص من ربقة التقليد.

وإنهاء النزاع بين الإنسان والإنسان، فلا قرار لشيء من الأشياء مع بقاء الناس على الخوف من نشوب القتال كمثال (غزة، السودان وأوكرانيا) ولا سيما القتال بآلاته الحديثة... وما من وسيلة تعصم الإنسان من هذا البلاء، أنجع من تزويد العالم بقوة عالمية واحدة تملك حق المحاجزة السريعة بين الدول وبمساعدة الجيوش المحلية التي تحفظ الأمن في بلادها بالوسائل الميسرة لها، في حين أسلحة الدمار الشامل ينبغي أن تخضع إلى القوة العالمية التي لا تنفرد بها دولة واحدة فقط!

أما مشكلة التعليم، فيجب أن يقوم التعليم على مبادئ عالمية، ويُمنع التعليم الذي ينفخ في جذور القوميات والعرقيات والتطرف الفكري والسلوكي، وليحل محله تعليم مبادئ التجارة الحرة وحرية السياحة على النحو الذي كان معمولاً به قبل الحرب العالمية الأولى...

والخلاصة... أقول: إن الانسان منذ هبط إلى الأرض من السماء تقحّم الفجاج المرهوبة وهو يكابد جنون الجوع والعطش والفزع من الضواري والوحوش والرهبة من الأعداء وبعد لأيٍ جاوز الصحراء إلى الأرض الباسمة... ولكن بعد أن نسى كيف يبتسم! فأصبحت المادة هي التي تقوده وأصبح أسيراً لها يرتاب ولا يصدق وهو يرى الصباح البهيج والنهار المنير...

ويحسب كل ذلك وهماً كاذباً، فيتشبث بالخرافة البالية و«الأساطير المُحّرفة» التي تُملي حياة السياسيين والعسكريين بالخوف والكراهية والنظر إلى أنفسنا كأننا بقية من المذنبين الخُطاة... تلك حماقة. فما يحتاج الإنسان اليوم لخلاص نفسه إلا أن يفتح قلبه لربه ومولاه ليفرح بالهداية ويدع الخوف يتسرب في ظلمات الغابر المهجور ممن يريدون أن يحلبوا حتى النملة! من أجل مصالحهم وليذهب الباقي الى الجحيم!