«ما يحدث هو انتحار جيوسياسي لن يوقفه سوى تدخل ترامب»

فريدمان: حرب نتنياهو في غزة تقود إسرائيل نحو الانتحار

26 أغسطس 2025 04:10 م

- الإسرائيليون قد يفكرون مرتين قبل التحدث بالعبرية في أثناء سفرهم إلى الخارج
- الحرب تهدد بتمزيق وحدة الجاليات اليهودية في الشتات خلال الأعياد المقبلة
- ثمة خشية من أن يكون ترامب قد وقع بدوره في فخ نتنياهو

في واحدة من أكثر مقالاته حدّة منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، رسم الكاتب الأميركي البارز توماس فريدمان في صحيفة «نيويورك تايمز» صورة قاتمة لمستقبل إسرائيل تحت حكم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، المطلوب أمام المحكمة الجنائية الدولية.

فالحرب المستمرة لم تعد -برأيه- دفاعاً عن إسرائيل ضد حركة «حماس»، بل تحوّلت إلى وسيلة لبقاء نتنياهو في السلطة، على حساب أرواح المدنيين الفلسطينيين، وصورة إسرائيل الدولية، ووحدة المجتمع اليهودي نفسه.

ويرى فريدمان أن ما يصفه نتنياهو بـ«الخطأ المأسوي» - مثل قصف مستشفى ناصر في جنوب غزة الذي أسفر عن استشهاد ما لا يقل عن 20 شخصاً، بينهم 5 صحافيين يعملون في مؤسسات إعلامية دولية وأطباء - «ليست مجرد حوادث عرضية، بل نتيجة حتمية لسياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي الساعية إلى إطالة أمد الحرب للهروب من محاكمته جنائياً وتثبيت تحالفه مع وزراء أقصى اليمين».

الاستيطان والتهجير

وقال إن هؤلاء الوزراء، وعلى رأسهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، يسعون إلى ملء الضفة الغربية بالمستوطنات لمنع نشوء دولة فلسطينية.

وأضاف أن سموتريتش يشجع في الوقت ذاته على تهجير الفلسطينيين من الضفة وغزة لتمهيد الطريق أمام ضمهما لإسرائيل.

لكن المشكلة -حسب فريدمان- أن إسرائيل كانت قد قضت بالفعل على القوة العسكرية للحركة وقتلت معظم قادتها الذين خططوا لهجوم السابع من أكتوبر 2023، وعليها، من ثم، أن تلاحق قادة ميدانيين أدنى رتبة «يختبئون بين المدنيين».

وأكد أن هناك فرقاً كبيراً بين تبرير الخسائر الجانبية في سبيل استهداف قادة الصف الأول للحركة، وبين قتل عشرات المدنيين لمحاولة اغتيال نائب قائد ثانوي.

سياسات خبيثة ومخزية

ووفقاً له، فإن استخدام إسرائيل جيشها لنقل مئات آلاف المدنيين الغزيين من منطقة إلى أخرى تحت ذريعة إبعادهم عن مناطق القتال، ثم جرف منازلهم، إضافة إلى التحكم المتعمد في دخول المساعدات الغذائية، لا تعدو أن تكون سياسات «خبيثة ومخزية» تهدف إلى دفع الناس نحو النزوح القسري.

ويحذر المقال من أن هذا النهج يدفع إسرائيل لتصبح دولة منبوذة دولياً.

ويستشهد الكاتب بحوادث متفرقة، مثل منع أطفال إسرائيليين من دخول متنزه في فرنسا، وخلاف دبلوماسي علني مع أستراليا، ومنع سفينة سياحية إسرائيلية من الرسو في جزيرة يونانية، بسبب احتجاجات شعبية.

كل هذه المؤشرات تعكس -حسب فريدمان- حجم التدهور في صورة إسرائيل على مستوى الرأي العام العالمي، «لدرجة أن الإسرائيليين قد يفكرون مرتين قبل التحدث بالعبرية في أثناء سفرهم إلى الخارج».

ورغم أن إسرائيل تحاول تذكير العالم بأن «حماس» قتلت نحو 1200 شخص و«خطفت» 250 آخرين ولاتزال تحتجز بعضهم، فإن العالم -كما يقول فريدمان- «بات يميز بين حرب من أجل بقاء الدولة، وحرب تخوضها حكومة نتنياهو دفاعاً عن بقائه السياسي».

صعوبة غض الطرف

غير أن ذلك ليس السبب الوحيد، فالكاتب الأميركي يذكر سبباً آخر هو أن العالم لم يعد قادراً على غض الطرف -مثلما فعل لأشهر- عن الخسائر المدنية الفلسطينية الهائلة باعتبارها ثمناً لا مفر منه لحرب تهدف - كما كان يُفترض - إلى إخراج «حماس» من غزة وإحلال قوة عربية بمشاركة السلطة الفلسطينية مكانها.

ولكن بعدما أعلن نتنياهو رفضه أن تُحكم غزة سواء من الحركة أو السلطة الفلسطينية، جعل الحرب -كما يؤكد فريدمان- تبدو بوضوح وكأنها محاولة لمدّ الاحتلال من الضفة الغربية إلى غزة، وإبقاء إسرائيل بلا شريك فلسطيني على الإطلاق.

ويضيف أن إسرائيل لم تعد تخسر فقط رصيدها الأخلاقي، بل أيضا تخسر حلفاءها الإقليميين والدوليين.

تمزيق وحدة اليهود

وعلى الصعيد الداخلي، يشير الكاتب إلى أن الحرب تهدد بتمزيق وحدة الجاليات اليهودية في الشتات خلال الأعياد المقبلة، بين من يرون أن الوقوف مع إسرائيل واجب أبدي، ومن لم يعودوا قادرين على تبرير أفعالها في غزة.

ويوضح أن الحزب الديمقراطي الأميركي نفسه يواجه انقساماً خطيراً بين جناح يخشى تحدي جماعة الضغط المؤيدة لإسرائيل -وهي لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك)- خوفاً من خسارة الدعم المالي، وجناح آخر لم يعد يحتمل السياسات الإسرائيلية التي تجرّ واشنطن إلى مواقف محرجة أمام الرأي العام العالمي.

ويختتم فريدمان مقاله بالتأكيد أن ما يحدث هو «انتحار جيوسياسي» لن يوقفه سوى تدخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

غير أن الكاتب يخشى أن يكون ترامب قد وقع بدوره في فخ نتنياهو، وتخلى عن أي تسوية واقعية، مأخوذاً بوهم «النصر الكامل» الذي يروّج له نتنياهو، تماماً كما انساق من قبل خلف وعود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن أوكرانيا.