في عهد الرئيس الأميركي السابق «الديمقراطي» جو بايدن، شُرّع قانون تخفيض التضخّم (Inflation Reduction Act) لسنة 2022، الذي تضمّن ثلاثة أهداف: تقليل عجز الميزانية الفيديرالية، خفض أسعار الأدوية الموصوفة، والاستثمار في تنمية استخدام الطاقة النظيفة.
واستناداً إلى هذا القانون الفيديرالي، أنشأت وكالة حماية البيئة الأميركية (EPA) صندوق خفض انبعاث الغازات الدفيئة، بميزانية تاريخية قدرها 27 مليار دولار أميركي، لتمويل ثلاثة برامج، هي: برنامج National Clean Investment Fund (NCIF) بميزانية قدرها 14 مليار دولار، برنامج Clean Communities Investment Accelerator (CCIA) بستة مليارات دولار، وبرنامج الطاقة الشمسية للجميع (Solar for All) بسبعة مليارات دولار.
بدأت الوكالة إنفاذ برنامج الطاقة الشمسية للجميع، بتخصيص 60 منحة مالية موزّعة على جهات حكومية تابعة لولايات وأقاليم وكيانات قبلية وبلديات، فضلاً عن منظمّات غير ربحية، لتمويل برامج طويلة الأمد لإنتاج الطاقة الشمسية، في المجتمعات ذات الدخل المنخفض والأدنى، عبر إنشاء وتركيب محطّات صغيرة للطاقة الشمسية في مناطقهم ومبانيهم السكنية، تُخفّض تكاليف استهلاك الطاقة، وتخلق عشرات آلاف من الوظائف الجيدة في هذه المجتمعات.
رغم إيجابيات وأهمية البرنامج، أعلنت الوكالة قبل أسبوعين إلغاء البرنامج، بموجب قانون الضرائب والإنفاق الذي وقّعه الشهر الماضي الرئيس الحالي «الجمهوري» دونالد ترامب.
بالنسبة لمتخصصين في الطاقة والبيئة، قرار الإلغاء لم يكن مفاجئاً، بل جاء ضمن سلسلة من قرارات الإدارة الأميركية الحالية الرامية إلى التحرّر من عشرات التدابير والقوانين الفيديرالية المتعلّقة بحماية جودة الهواء والمياه، التي شاركت الإدارة الأميركية السابقة في إقرارها وفرضها.
العديد من التقارير الصحافية، ومن بينها تقرير نشر في «وكالة أسوشيتدبرس للأنباء» في 7 أغسطس الجاري، أشارت إلى أن قرار الإلغاء صدر ضمن خطوات الإدارة الأميركية الحالية لتعزيز قطاع الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي، في إطار سعيها إلى «الهيمنة الأميركية على سوق الطاقة العالمية». وهو نقيض موقف الإدارة السابقة تجاه القطاع ذاته.
ويعتقد مراقبون سياسيون، أن هذا التناقض بين الحزبين الرئيسيين تجاه كل من الطاقة الأحفورية والطاقة المتجدّدة، مرتبط إلى درجة ما بخارطة تدفّق المال السياسي في الانتخابات الأميركية، وتحديداً التمويل المباشر من قبل لجان العمل السياسي (PACs) لحملات المرشحين الانتخابية، والمبالغ غير المحدودة التي تنفقها لجان العمل السياسي الفائقة (Super PACs) في الدعاية لصالح أو ضد مرشحين، من دون التنسيق مع المرشحين المُفضَّلين.
فعلى سبيل المثال، حسب البيانات المنشورة في موقع مجموعة OpenSecrets (البحثية غير الربحية المعنية بتتبّع تدفّق الأموال في السياسة الأميركية)، فإن مجموع الأموال التي جمعتها حصراً اللجان الفائقة (Super PACs) في 2024 تزيد على 5 مليارات دولار. وأُنفقت في السنة ذاتها أكثر من نصفها، على النحو التالي: قرابة 1.2 مليار دولار ضد مرشحين ديمقراطيين، نحو 585 مليون دولار ضد مرشحين جمهوريين، قرابة 522 مليون دولار لصالح مرشحين جمهوريين، ونحو 389 مليون دولار لصالح مرشحين ديمقراطيين.
حسب رأي مراقبين، تسمح التعقيدات القانونية والسياسية أحياناً بتدفق أموال «يشوبها فساد سياسي» من دون محاسبة، رغم الشفافية والمساءلة في متابعة تدفق الأموال في الانتخابات الأميركية.
وهنا أتساءل: إذا كان هكذا دور المال السياسي في الدول التي تلتزم بالشفافية والمساءلة، فما حال الدول التي تمارس الديمقراطية من دون إفصاح ولا رصد لعمليات تمويل الحملات الانتخابية وحملات تشويه وتجميل سير مرشحين؟
تعزيز ضمانات الشفافية في عمليات تمويل الحملات الانتخابية والأنشطة الإعلامية المؤيّدة والمعارضة لسياسيين، مطلب ديمقراطي حيوي، تشارك نوّاب موالون ومعارضون في تغييبه عن الممارسة الديمقراطية الكويتية.
لذلك، أناشد المعنيين إدراج إشكالية «التمويل» ضمن جوانب المسيرة الديمقراطية متى ما تمت دراستها ومراجعتها... «اللهم أرنا الحقّ حقّا وارزقنا اتّباعه».