نحو السلام أم بعيداً عنه؟

الكرة في مرمى نتنياهو... تنازلات أم حربٍ لا نهاية لها؟

19 أغسطس 2025 10:00 م

قدّم رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير، أخيراً إلى وزير الدفاع يسرائيل كاتس، الخطة التي طال انتظارها لاحتلال غزة، وهي خطة مصممة للقضاء على «حماس» عسكرياً وانتزاع تنازلات على طاولة المفاوضات لإيجاد بديل لحكم القطاع.

التوقيت حاسم

فمع تأجيل جلسات الكنيست من 4 أغسطس إلى 27 أكتوبر 2025، يحظى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بفترة راحة نادرة: شركاؤه في الائتلاف اليميني المتطرف، الذين عادةً ما يكونون على استعداد لتهديد بقائه، مُجردون من السلاح فعلياً خلال فترة العطلة.

تتزامن هذه الاستراحة السياسية مع انفتاح دبلوماسي. فقد قبلت «حماس» رسمياً اقتراحاً بوساطة أميركية، قدّمه المبعوث ستيف ويتكوف، وتوسطت فيه مصر وقطر، لوقف الأعمال العدائية لمدة 60 يوماً. ويَعِدُ الاتفاق بتقديم مساعدات إنسانية واسعة النطاق، والأهم من ذلك، رفع المجاعة التي سببها الاحتلال في غزة.

يكمن جوهر الاتفاق في تبادل عملي: يمكن إطلاق سراح 10 من أصل 20 جندياً مازالوا محتجزين في المرحلة الأولى. بالنسبة إلى نتنياهو، تُمثّل هذه أوضح فرصة منذ شهور لتهدئة الاضطرابات الداخلية وتخفيف حدة الغضب الدولي إزاء أفعال إسرائيل، المتهمة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتجويع المدنيين عمداً.

مع ذلك، يبقى السؤال المحوري: هل سيغتنم نتنياهو هذه الفرصة النادرة، أم سيُناور لتخريبها بالمماطلة حتى يستعيد ائتلافه نفوذه، ثم يجرّ إسرائيل إلى الحرب مجدداً؟ هل يُعدّ وقف النار هذا خطوة حقيقية نحو إنهاء أحد أكثر الفصول دموية في تاريخ غزة، أم أنه مجرد هدنة تكتيكية وأشبه بفسحة لالتقاط الأنفاس قبل استئناف دورة الدمار؟

يُمثّل قرار «حماس» بتأييد الخطة لحظة مرونة نادرة من الحركة الفلسطينية. وفقاً لمسؤولين مشاركين في المفاوضات، فالحركة قدّمت ردّها من دون المطالبة بأي تعديلات، في إشارة واضحة إلى استعدادها لإعطاء فرصة للدبلوماسية.

وتتضمن الخطة ضمانات دولية، حيث أكّد الوسطاء للحركة والفصائل المتحالفة معها أن هدنة الـ 60 يوماً لن تكون فخاً تكتيكياً، بل خطوة أولى حقيقية نحو محادثات أوسع نطاقاً حول تسوية دائمة.

أسباب قبول «حماس» متعددة. فبعد نحو عامين من القصف المتواصل، أصبحت البنية التحتية المدنية في قطاع غزة في حالة خراب، وفصائلها المسلحة منهكة. وبينما نجت المقاومة، لا يمكن إنكار الإرهاق: فالمقاتلون منهكون، وخطوط الإمداد متوترة، والسكان يعانون من مصاعب لا توصف.

ويمنح الوقف الموقت للعنف، «حماس» القدرة على إعادة تنظيم صفوفها عسكرياً، وإصلاح شبكات الحكم، واستعادة مكانتها بين المدنيين الذين تعرّض صمودهم لاختبارات قاسية.

هناك أيضاً حسابات سياسية، فالحركة تواجه ضغوطاً داخلية لإظهار براغماتية وتجنب إلقاء اللوم عليها في إطالة أمد المجاعة.

وبقبول اتفاق من دون تعديلات، يمكن لـ«حماس» أن تقدم نفسها على أنها الطرف الفاعل المعقول، محملةً إسرائيل مسؤولية انهيار الهدنة.

للتشابهات التاريخية أهمية. فقد سبق للحركة أن دخلت في اتفاقات وقف نار، لا سيما بعد حرب غزة عام 2014، وفي هدنات قصيرة الأمد مختلفة في السنوات التي تلت ذلك. وقد تخلل كل منها اغتيالات إسرائيلية، أو حصار جديد، أو تصعيد مفاجئ أدى إلى انهيار الهدوء الهش. هذه السوابق تفسر حذر الحركة وبراغماتيتها الحالية: فهي تعلم أن الهدنات نادراً ما تدوم، لكنها تعلم أيضاً أن حتى التوقفات الموقتة يمكن أن توفر مساحة للتنفس ورأسمال سياسي.

مقترح إسرائيلي في الواقع

رغم غلافها الأميركي، فإن خطة ويتكوف متجذرة في الواقع في الحسابات الإسرائيلية والمعايير المقبولة. إنها تعكس اعتراف تل أبيب بأن الحرب قد وصلت إلى طريق مسدود، وأن غزة لا يمكن إخضاعها بسرعة، وأن رد الفعل الدولي يُهدد مكانة إسرائيل العالمية. بالنسبة إلى نتنياهو، تُقدم الخطة طريقةً لحفظ ماء الوجه لاستعادة الجنود الأسرى وتجنب مقتل آخرين مشتركين في الهجمات البرية مع إبقاء الخيارات مفتوحة.

وبتقديمها كمبادرة أميركية، فإنه يكسب مساحة للمناورة على الصعيد المحلي: يمكنه الادعاء بأنه يستجيب فقط للضغوط الأميركية، بينما مازال يُشكل النتيجة خلف الكواليس.

ومع ذلك، فإن هذا الغموض يُثير الشكوك أيضاً. يشير سجل نتنياهو إلى أنه قد يسعى إلى إدراج شروط جديدة في اللحظة الأخيرة، ما يؤدي فعلياً إلى نسف الاتفاق مع إلقاء اللوم على «حماس» أو تقديم تنازلات. تفسيره الخاص للشروط. ستسمح له هذه المناورات بإطالة أمد الصراع، مراهناً على أن تجدد الحرب يخدم بقاءه السياسي أكثر من سلام هش.

مساحة نادرة للتنفس

للمرة الأولى، يصب غياب الكنيست في مصلحة نتنياهو. عادةً، أي تلميح للتسوية مع «حماس» من شأنه أن يثير غضب شركائه في الائتلاف، خصوصاً وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش.

فلطالما أصرّ كلاهما على ضرورة إعادة احتلال غزة بالكامل وطرد سكانها. قد تؤدي تهديداتهما بسحب الدعم إلى الإطاحة بغالبية نتنياهو الهشة. وأكدا أكثر من مرة أن «نتنياهو لا يملك الصلاحية بوقف الحرب وان الموافقة على صفقة هزيمة».

جيشٌ بحاجة إلى الراحة

بعيداً عن السياسة، هناك واقع مُريع يتمثل في الإرهاق العسكري. منذ ما يقارب العامين، شنّت قوات الاحتلال الإسرائيلية عملياتٍ لا هوادة فيها في غزة من دون تحقيق مكاسب حاسمة. مازالت شبكات الأنفاق فاعلة، وتستمر حرب المدن في استنزاف الألوية، ومازال الجنود الأسرى بمنأى عن المتناول.

وستمنح الهدنة المقترحة لمدة 60 يوماً الجيش هدنة ضرورية للغاية لإعادة تنظيم صفوفه وتدريبه وتسليحه. كما ستوفر وقتاً لاستيعاب الدروس المستفادة من الإخفاقات المتكررة والتخطيط لهجمات مستقبلية محتملة. قد يرحب القادة العسكريون، المدركون لتدهور الروح المعنوية، بمثل هذه الهدنة حتى لو لم يعترفوا بها علناً. ومع ذلك، فإن هذه الهدنة تحمل في طياتها منافع جمة: فـ«حماس» أيضاً ستستغلها للتعافي، وإعادة إنشاء خطوط الإمداد، وإعادة ترسيخ هياكلها الحكومية في الأحياء المنكوبة.

البعد الإنساني

بالنسبة إلى المدنيين في غزة، تعني الهدنة المقترحة أكثر بكثير من مجرد إعادة تقييم إستراتيجي. ستكون بمثابة شريان حياة. فبعد قرابة عامين من القصف، تنتشر المجاعة. لقد انهارت البنية التحتية الأساسية، وتحولت المستشفيات والمدارس إلى أنقاض.

وسيمثل تدفق المساعدات الإنسانية واسعة النطاق الموعودة بموجب خطة ويتكوف، أول محاولة جادة لتخفيف هذه الظروف. فالوكالات الدولية على أهبة الاستعداد للانتشار، لكنها تشترط ضمانات الوصول الآمن.

قد تسمح الهدنة بعودة الفرق الطبية، وإصلاح شبكات المياه، وتوفير المأوى للعائلات النازحة. بالنسبة إلى الفلسطينيين، لن يكون مقياس الاتفاق في البيانات الدبلوماسية، بل في توفير الغذاء والدواء والأمن على الأرض.

حسابات نتنياهو

مازالت حسابات نتنياهو غامضة. فقبول الهدنة يسمح له بادعاء نصر إنساني وسياسي: إطلاق سراح الأسرى، وتخفيف حدة الغضب العالمي موقتاً، والحفاظ على ائتلافه (على الأقل حتى عودة جلسات الكنيست). اما رفضها وإما إفسادها فيُخاطر بمزيد من العزلة الدولية، ولكنه قد يُغريه بالاعتماد على الصراع الدائم كدرع سياسي.

قد يلجأ رئيس الوزراء إلى مسار ثالث: قبول الهدنة رسمياً مع استغلال الستين يوماً للتحضير لمواجهة متجددة. وهذا من شأنه أن يعكس موقف إسرائيل بعد النزاعات السابقة مع «حزب الله» في لبنان، وقف نار هشّ تتخلله اغتيالات مستهدفة، وضربات جوية، وعمليات سرية. ستحافظ هذه الإستراتيجية على مكانته كشخص متشدد، مع منع انهيار داخلي فوري.

خطوة نحو السلام أم بعيداً عنه؟

يرى الوسطاء الذين أقنعوا «حماس» بتأييد الاتفاق، أنه بذرة لوقف نار طويل الأمد. ويجادلون بأن أي تسوية دائمة يجب أن تبدأ بخطوات تدريجية، مهما كانت هشة. بالنسبة إليهم، فإن خطة ويتكوف ليست غاية، بل جسر نحو مفاوضات أوسع.

مع ذلك، يحذر المتشككون من أنه من دون إرادة سياسية في تل أبيب، ستصبح الهدنة مجرد فاصل آخر في دائرة العنف. إذا اختار نتنياهو استئناف الحرب في نهايتها، فستكون الفرصة قد ضاعت - وسيتحمل المدنيون في غزة والجنود الإسرائيليون ثمنها مرة أخرى.

يقف نتنياهو الآن أمام فرصة نادرة. مع عطلة الكنيست، أصبحت سكاكين ائتلافه مغمدةً موقتاً. مع موافقة «حماس» على الشروط، أصبحت الدبلوماسية في متناول اليد على نحو غير متوقع. ومع استنزاف جيشه، قد يوفر التوقف فرصةً للراحة. ومع نفاد صبر المجتمع الدولي، تُشير حتى واشنطن إلى ضرورة ضبط النفس.

سواء اغتنم نتنياهو هذه الفرصة أم أهدرها، فلن يُحدد إرثه فحسب، بل مسار إسرائيل أيضاً. قد يُمثل قبول الهدنة الخطوة الأولى نحو خفض التصعيد، حتى لو كانت هشة. أما رفضها، فيُخاطر بجر إسرائيل إلى حربٍ أعمق قوضت بالفعل هيبتها العسكرية، وتآكلت مكانتها العالمية، وتسببت في معاناةٍ لا تُوصف.

بالنسبة إلى غزة، فإن المخاطر وجودية. بالنسبة إلى إسرائيل، تحطمت أسطورة القوة المطلقة بالفعل. بالنسبة إلى نتنياهو، السؤال هو: هل سيختار البقاء من خلال التنازلات - أم البقاء من خلال حربٍ لا نهاية لها؟