أحمد النفيسي ... غادرت كما أردت

11 أغسطس 2025 10:00 م

حين تغرب شمس قامة كقامة الراحل أحمد يوسف النفيسي، فصفحات لا تُحصى ولا تُعد من تاريخ الكويت تُطوى مع ذلك الغروب.

بو بدر، جامع كل المزايا والخصال بدءاً من كونه ابن إحدى أعرق وأكرم الأُسر الكويتية وانتهاء بدوره الوطني الكبير المنحاز للحريات والديمقراطية والعروبة والوحدة الوطنية.

وعندما نقول «النفيسي» نستحضر سريعاً الدور التجاري التاريخي الذي لعبته هذه الأُسرة وساهمت من خلاله في دعم وترسيخ أُسس الاقتصاد الكويتي، لكن حصر هذا الدور في النطاق الاقتصادي يجافي الحقيقة الأكبر وهي أن عائلة النفيسي رمز من رموز عمل الخير في الكويت، بعضه معروف ومحفور في الذاكرة... وكثير منه منتشر وظاهر إنما على قاعدة «لا تعرف اليسار ما قدمت اليمين».

الراحل أحمد النفيسي، هو ابن هذا الانتساب الأُسري، تشبّع بخصاله ومبادئه، واختط لنفسه من ريعان شبابه خطاً وطنياً عروبياً واضحاً مع رفاق الدرب المغفور لهم جاسم القطامي وأحمد الخطيب وسامي المنيس وعبدالله النيباري وغيرهم. لم يحد عن هذا الطريق رغم كل التحديات والمصاعب التي واجهته. ورغم أثمان الالتزام بخطه إلا أنه رفض كل العروض والمناصب كما رفض التفرغ التام للتجارة ومغرياتها وجاذبيتها.

وكيف يمكن اختصار مسيرة الراحل الكبير بأسطر؟ هل من عضويته في حركة القوميين العرب أو تأسيسه لحركة التقدميين الديمقراطيين في الكويت أو عضويته في مجلس الأمة أو رئاسته لنادي الاستقلال قبل حلّه في 1976، أو دوره الشعبي الكبير المناهض للغزو العراقي أو مساهمته في قيادة المنبر الديمقراطي؟

مسيرة أطول من أن تختصر، وحين ترأس تحرير صحيفة «الطليعة» التي كانت صوتاً عالياً لأصحاب المبادئ التي آمن بها النفيسي ورفاقه، قال لكل من عمل معه عن الصعوبات السياسية وغير السياسية التي واجهته: «ما يصنع الإنسان ويترك له بصمة مميزة ليس التقلب في المواقف ولا المواقف الموقتة، بل الثبات على المبدأ الذي يُظهِر معدننا الحقيقي ويمنحنا راحة ضمير لا تقدر بثمن».

رحمك الله يا أبا بدر، غادرت كما أردت، ببصمة مميزة وراحة ضمير، وسمعة نقية، وتاريخ مشرّف... عزاؤنا لأسرة النفيسي التي أحبها جميع الكويتيين، وعزاؤنا لعائلتك الصغيرة التي تفتخر بمسيرتك، وعزاؤنا للكويت التي فقدت قامة وطنية لم تتخل يوماً عن مبادئها.