كلتاهما تستعد للحظة اختبار حساباتها سواء بعد أشهر أو سنوات... أو بين عشية وضحاها

إيران - الولايات المتحدة... عهد جديد من الدبلوماسية الذكية والتعتيم النووي

11 أغسطس 2025 10:00 م

وافقت إيران على استقبال نائبة رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية ليدي إيفرار، لمناقشة معايير التعاون المستقبلي، من دون السماح بأي عمليات تفتيش للمواقع النووية.

وتُعدّ هذه المرة الأولى التي تفتح فيها طهران، ولو في شكل محدود وضيق، بابها أمام الوكالة الذرية منذ الحرب الإسرائيلية على إيران التي استمرت 12 يوماً. وخلال تلك الحرب، اتهمت طهران مدير الوكالة، رافاييل غروسي، بتسريب معلومات حساسة لإسرائيل، وهي ادعاءاتٌ، وفقاً لمسؤولين إيرانيين، دعمتها عمليات اغتيال لاحقة لعدد من العلماء النوويين الإيرانيين.

ورغم تعليق التعاون مع الوكالة بعد الحرب، إلا أن طهران منفتحة الآن على التفاوض في شأن «آلية تعاون» جديدة تُحدد شروط التعامل من دون السماح بدخول المواقع الحساسة حالياً. وتهدف المحادثات المقبلة مع ليدي إيفرار إلى استكشافها لهذه المعايير.

بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) واتفاقية الضمانات الشاملة (CSA)، تلتزم إيران بالسماح بعمليات تفتيش للمواد والمنشآت النووية المعلنة. ومع ذلك، ولأنها لم تُصادق قط على البروتوكول الإضافي (AP)، فهي غير مُلزمة قانوناً بمنح الوكالة الدولية للطاقة الذرية حق الوصول إلى المواقع غير المعلنة، أو المنشآت العسكرية، أو غيرها من البنى التحتية الحساسة.

وفي أعقاب الضربات الإسرائيلية - الأميركية، تُكرر طهران الآن ادعاءات واشنطن وتل أبيب العلنية بأن برنامجها النووي قد «دُمر»، مُجادلةً بأنه إذا كان هذا صحيحاً، فلن يتبقى شيء ليفحصه المفتشون.

مع ذلك، مازالت لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية تساؤلات عالقة حول حجم الضرر الذي لحق بالبرنامج النووي، والأهم من ذلك، مصير مخزونات إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة و60 في المئة قبل الحرب، حيث مازال مكانها ووضعها الحالي مجهولين.

ولذلك، فإن موقف إيران الجديد محسوبٌ عمداً: تُفتح نافذةٌ ضيقة، لكن لا يُسمح بدخول أي شيء تقريباً. يأتي ذلك في أعقاب رفض الوكالة الدولية للطاقة الذرية والدول الأوروبية إدانة الضربات الإسرائيلية - بتواطؤٍ أميركي كامل - على المنشآت النووية الإيرانية في فوردو وناتانز وأصفهان.

وبموجب تفويضها، تتولى الوكالة مسؤولية مراقبة المواقع النووية غير العسكرية المعلنة في كل أنحاء العالم وضمان امتثالها لمعايير السلامة والأمن. وبينما لا تملك الوكالة سلطة إنفاذ لحماية هذه المنشآت مادياً، إلا أنها تلتزم الإبلاغ عن الهجمات، وإثارة المخاوف الإيرانية في الأمم المتحدة، والمطالبة بالمساءلة عند استهداف المواقع المحمية - وهي خطوات امتنعت الوكالة عن اتخاذها في هذه الحالة - ارباك قانوني.

وتُشير طهران إلى استعدادها للتفاوض والحفاظ على الدبلوماسية حية، إلا أن الاتحاد الأوروبي يتجه نحو تفعيل آلية «سناب باك» (إعادة فرض العقوبات أو ما يعرف بآلية الزناد) من الأمم المتحدة - وهي آلية من شأنها استعادة جميع قيود الأمم المتحدة السابقة على خطة العمل الشاملة المشتركة، بما في ذلك حظر الأسلحة، والقيود على الصواريخ، وتجميد الأصول، وحظر السفر، وحظر المشتريات المتعلقة بالمجال النووي. وفي حال تفعيلها، ستحذو الولايات المتحدة حذوها.

وحذرت إيران من أنها ستنهي أي دور للاتحاد الأوروبي في المحادثات النووية المستقبلية في مثل هذه الحالة. وكانت قد حددت المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا أغسطس 2025 موعداً نهائياً لطهران لاستئناف المحادثات والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو مواجهة إعادة فرض العقوبات.

ويصر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على أنه في حالة تفعيل ذلك، ستنهي طهران المناقشات مع الأوروبيين، متهماً إياهم بعدم الوفاء بالالتزامات التي قطعوها بموجب اتفاق 2015. إذ لا ترى إيران أي قيمة تُذكر في التفاوض مع أوروبا، التي لا يمكنها رفع العقوبات الأميركية.

وفي الوقت الحالي، لا تنوي إيران الكشف عن الكمية الكاملة أو موقع مخزوناتها من اليورانيوم المخصب. اعتباراً من 17 مايو 2025، وكانت تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية كما يأتي:

- يورانيوم مخصب بنسبة 60 في المئة: 408.6 كيلوغرام.

- يورانيوم مخصب بنسبة 20 في المئة: 274.5 كيلوغرام.

- يورانيوم مخصب بنسبة 5 في المئة تقريباً (LEU): 5508.8 كيلوغرام.

تحذّر الوكالة من أن تقييد الوصول، وانسحاب المفتشين ذوي الخبرة، وإزالة معدات المراقبة قد أدى إلى «فقدان استمرارية المعرفة»، ما يزيد من خطر إخفاء إيران لمخزون من أجهزة الطرد المركزي المتطورة. ويمكن لمصنع أو مصانع تخصيب سرية صغيرة، في حال تشييدها، أن يُحسّن بسرعة نسبة 60 في المئة من اليورانيوم عالي التخصيب إلى يورانيوم صالح للاستخدام في الأسلحة.

تبنّت إيران أيضاً رواية الرئيس دونالد ترامب، وهي رواية تدّعي أن واشنطن فكّكت برنامجاً نووياً عسكرياً لطالما اعتبرته وكالات الاستخبارات الأميركية والدولية غير موجود. ويكرّر ترامب هذه النقطة كثيراً لدرجة أنها أصبحت جزءاً لا يتجزأ من خطاباته، من دون أن يُبدي أحد من فريقه استعداداً لمناقضته. وتشير تسريبات استخباراتية أميركية إلى أن ضربات يونيو - التي انضمت إليها واشنطن خلال الأيام الأخيرة من الحرب - ربما تكون قد أخرت برنامج إيران النووي لبضعة أشهر فقط.

بعد الحرب، وضعت طهران شروطاً مسبقة جديدة لاستئناف المحادثات النووية، هي:

- تعويضات مالية من الولايات المتحدة عن خسائرها خلال حرب يونيو.

- ضمانات بعدم تعرض إيران لهجوم خلال المفاوضات المستقبلية.

- تفسير أميركي لمهاجمة إيران في منتصف المفاوضات، والتزام رسمي بعدم تكرار مثل هذه الأعمال.

وأعلن عراقجي، أن «طريق التفاوض ضيق ولكنه ليس مستحيلاً»، وهو يُصر على أن الأمر يتطلب تدابير حقيقية لبناء الثقة.

وقد غذّت الحرب المشاعر المعادية للتفاوض داخل النخبة الحاكمة والرأي العام في إيران، حيث دعا بعض المتشددين علناً إلى تسليح البرنامج النووي. ومع ذلك، تُصرّ الحكومة على أن البرنامج مازال مدنياً بطبيعته، تماشياً مع فتوى آية الله خامنئي التي تُحرّم الأسلحة النووية.

ورغم أضرار الحرب، مازال حجم البنية التحتية النووية الإيرانية غير واضح. إذ يزعم المسؤولون أن مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة، والبالغ 408 كيلوغرامات، آمن في مواقع غير معلنة، إلا أن التحقق المستقل غير ممكن في ظل القيود الحالية. ويعتمد استئناف إيران الكامل للتخصيب على نطاق واسع على الحالة التشغيلية لمنشآتها، وهو أمر غير معروف منذ هجمات يونيو 2025.

وتمتلك إيران الآن ما يقارب من 14,689 جهاز طرد مركزي متطور مُركّب في ناتانز وفوردو، معظمها في محطة تخصيب الوقود في ناتانز (FEP)، بالإضافة إلى أجهزة طرد مركزي من طراز IR-1 في محطات FEP وPFEP وFFEP، ليصل إجمالي الأجهزة المُركّبة إلى نحو 21,900 جهاز. ليست جميعها مُخصّبة، ولكن إجمالي قدرة التخصيب المُركّبة يبلغ نحو 64,000 وحدة فصل سنوية، منها نحو 50,000 وحدة فصل سنوية قيد التخصيب النشط.

وتطالب إدارة ترامب بعدم التخصيب إطلاقاً - وهو شرط ترفضه طهران باعتباره يتعارض مع حقوقها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي.

وقال عراقجي إنه لا يمكن التوصل إلى اتفاق في ظل هذا الشرط، على الرغم من أن إيران منفتحة على التفاوض في شأن نطاقه وضماناته. ومازال ترامب يهدد بمزيد من الضربات إذا استمر التخصيب.

ويعمل الجيش الإيراني على زيادة تغطية الدفاع الجوي، وتحسين اختيارات الصواريخ، وتحسين الاستخبارات المضادة لمنع التسلل الأجنبي ونشاط العملاء والجواسيس، وهو ما تعترف طهران بأنه لعب دوراً مدمراً خلال الحرب.

كما درست إسرائيل وأجهزة الاستخبارات الغربية قدرات إيران، وتعمل على تعزيز التغطية الدفاعية الإسرائيلية للصراعات المستقبلية المحتملة.

التوقعات... الدبلوماسية المسلحة

خلصت القيادة الإيرانية إلى أن التفاوض وعدم التفاوض ينطويان على مخاطر متساوية: فالغرب لا يبدي أي نيات لرفع العقوبات، ونفوذ إسرائيل يضمن عدم اتخاذ واشنطن خطوات تُعزز طهران. وهذا يترك الجانبين عالقين في مواقف متضاربة - إذ تُصر الولايات المتحدة على عدم التخصيب، وتُصر إيران على التخصيب المحلي - ما يجعل تحقيق اختراق أمراً مستبعداً للغاية.

وتتمثل إستراتيجية طهران الحالية في الدبلوماسية المسلحة: الحفاظ على ردع عسكري قوي مع ترك مجال ضيق للمحادثات، وذلك أساساً للحفاظ على الدعم الروسي والصيني وتجنب العزلة الدبلوماسية.

إن القضية النووية الإيرانية هيكلية وليست تكتيكية. ما لم يتخل أحد الطرفين عن خطه الأحمر الأساسي، ستؤدي المفاوضات إلى عملية لا تقدم فيها.

تراهن إيران على قدرتها على الصمود أمام الضغوط الغربية مع الحفاظ على قدراتها النووية؛ ويراهن الغرب على قدرته على احتواء إيران من دون التنازل عن حقوق التخصيب.

كلاهما يستعد للحظة اختبار حساباته - سواء بعد أشهر، أو سنوات، أو بين عشية وضحاها.