مع اشتداد موجات الحر، باتت جزيرة كُبّر وجهة مفضلة لعدد متزايد من الزوار، مستقطبة عشاق الطبيعة والبحر، لما تزخر به من تنوع أحيائي وشعاب مرجانية، ما جعلها بمثابة «مصيف مجاني» مفتوح للجميع.
وأكد عدد من الخبراء لـ«الراي»، أن الجزيرة، التي تبلغ مساحتها 75 كيلومتراً مربعاً، تُعد من أبرز الوجهات البيئية في الكويت، لما تحققه من توازن بين الأنشطة الترفيهية والحفاظ على النظم البيئية الهشة.
وشددوا على «أهمية التوسع في تقديم الخدمات وتنظيم الأنشطة بشكل يحترم خصوصية النُظم البيئية»، لافتين إلى ضرورة استثمار الجزيرة كأحد روافد الاقتصاد الأخضر المستدام.
ودعوا إلى تقنين الزيارات إلى الجزيرة التي تُكنّى بـ«لؤلؤة البحر»، عبر دراسة القدرة الاستيعابية السياحية، بما يضمن عدم تجاوز الحدود البيئية الحرجة، وتنفيذ برامج للمراقبة البيئية تعتمد على تقنيات نظم المعلومات الجغرافية (GIS) والاستشعار عن بعد، لرصد التغيرات في التنوع البيولوجي وتآكل السواحل.
كما شددوا على أن استدامة هذه الوجهة البيئية، تتطلب رؤية طويلة الأمد واستثماراً نوعياً يضمن الحفاظ على ثرواتها الطبيعية للأجيال القادمة.
عبدالله الزيدان: استضافة الزوار دون الإضرار بالبيئة
يقول المختص في الشؤون البيئية الدكتور عبدالله الزيدان، إن «جزيرة كُبّر تعدّ وجهة سياحية بيئية مهمة لرواد البحر في الصيف، حيث تتيح لزوارها فرصة التفاعل مع الطبيعة، بعيداً عن التلوث»، لافتاً إلى أن الجزيرة «تم تصنيفها من قبل الهيئة العامة للبيئة، عام 2022، بناءً على قرار للمجلس الأعلى للبيئة استند إلى تصنيف الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN)».
وأشار الزيدان إلى أن القرار المذكور يقسم المناطق المحمية إلى ست فئات رئيسية، لكل منها أهداف إدارية محددة ومستويات مختلفة من التدخل البشري، وصنفت في الفئة الرابعة (المناطق الطبيعية المحمية/والبحرية المحمية) التي تشمل مزيجاً من النشاط البشري والطبيعة، حيث يتشكل المنظر الطبيعي أو البحري بفعل العمليات الطبيعية والتفاعل البشري معاً».
وشدد على «أهمية التنسيق والتعاون مع الجهات المعنية أهمية وضع خدمات للرواد بشكل لا يضر بالبيئة»، وأن «الهيئة العامة للبيئة قامت بالتنسيق مع المبادرين، ومنهم فرق الغوص، لوضع مرابط بحرية تسهم في الحفاظ على الشعاب المرجانية من التدمير، ومنع الطراريد من الرسو بشكل يضر بالتنوع الأحيائي حول الجزيرة».
واعتبر الجزيرة «واحدة من أهم الجزر الكويتية الجنوبية، لما تتمتع به من تنوع بيولوجي»، ضارباً المثل بوجود «أربعة أنواع من طيور الخرشنة منذ نشأة الجزيرة، تعشش هناك من أبريل إلى أغسطس من كل سنة، مما يجعلها موئلاً طبيعياً لها، حيث تنتقل هذه الطيور إلى المناطق والجزر في الخليج العربي منتقلة إلى الهند ومناطق أخرى».
محمد الصائغ: الاستمتاع بجمال الجزيرة لا يتعارض مع حمايتها
أفاد المستشار البيئي الدكتور محمد الصائغ، أنه «مع زيادة الإقبال على جزيرة كُبّر خلال موسم الصيف، من المهم التذكير ببعض الممارسات التي تساعدنا على الاستمتاع بالمكان دون الإضرار به، ومن ذلك جمع النفايات وعدم ترك أي مخلفات وراءنا، حتى لو كانت بسيطة، وعدم إزعاج الطيور أو الاقتراب من أعشاشها، خصوصاً خلال فترات التكاثر، وتجنب المشي أو الوقوف على الشعاب المرجانية أثناء السباحة أو الغوص، وتقليل الضوضاء، فالموسيقى المرتفعة تؤثر على الطيور والكائنات البحرية، ونشر الوعي بين الأصدقاء والعائلة حول أهمية احترام البيئة البحرية».
وشدد الصائغ على أن «الاستمتاع بجمال كُبّر لا يتعارض مع حمايتها، بل يبدأ من احترامنا لها، لأن المسؤولية مشتركة، وكل تصرّف واعٍ يسهم في الحفاظ على هذا المكان الجميل للأجيال القادمة، ويحافظ عليه كمكان آمن لمختلف الكائنات الحية التي تقصد هذه الجزيرة بهدف استكمال دورة حياتها».
وأضاف: «يجب أن يعمل متخذو القرار على تحقيق التوازن المطلوب، من خلال تنظيم الأنشطة الترفيهية، وتحديد مناطق يُراعى فيها حماية الحياة الفطرية، إلى جانب تعزيز الرقابة وتوفير برامج توعوية مستمرة»، معتبراً أن «هذا التوجه يهدف إلى أن تبقى كُبَر نموذجًا يُحتذى في الجمع بين السياحة البيئية والحفاظ على التنوع البيولوجي».
جنان بهزاد: بيئة سياحية مثالية خلال الصيف
ترى الأمين العام للجمعية الكويتية لحماية البيئة جنان بهزاد، أن «الجزر الجنوبية (كُبّر)، و(قاروه)، و(أم المرادم)، تشكل بيئة مثالية للسياحة البيئية، بما توفره من تجارب فريدة كالغوص ومراقبة الطيور واستكشاف الشعاب المرجانية، مما يعزّز السياحة البيئية ويخلق فرص عمل محلية، ويشجّع المشاريع الصغيرة، ويرفع الوعي البيئي».
ولفتت بهزاد إلى أن جزيرة كُبّر غير المأهولة «تتميّز بأهميتها البيئية الفائقة، نظراً لما تزخر به من تنوع بيولوجي، خصوصاً في محيطها البحري، والشعاب المرجانية الخلابة التي تحيط بها، فضلاً عن كونها موئلاً طبيعياً للأسماك، والسلاحف، والطيور البحرية، مما جعلها واحدة من أبرز الوجهات للسياحة البيئية والغوص في الخليج العربي».
وذكرت أن أهمية الجزيرة «تبرز كرمز للتنوع البيولوجي البحري في الكويت، إذ توافر بيئة طبيعية غنية تعزّز من قدرة النظام البيئي البحري على الصمود، كما تُعدّ من الوجهات السياحية البيئية الجاذبة، لما تتمتع به من مياه صافية وشعاب مرجانية نابضة بالحياة، تشكّل مصدر جذب للغواصين والزوار الباحثين عن تجارب طبيعية فريدة»، مشيرة إلى أن «الإقبال عليها يزيد خلال فصل الصيف، خاصة بالنسبة لمحبي ارتياد الشواطئ».
وعلى الصعيد الاقتصادي، أكدت بهزاد أن الجزيرة «تُمثّل فرصة واعدة لتعزيز السياحة المستدامة رغم التحديات المناخية والضغوط البشرية، وتظل الجزر الصغيرة ذات أهمية كبيرة في مجال السياحة البيئية والاقتصاد المستدام»، مشددة على «أهمية الاستثمار طويل الأمد في صحة الجزر وحمايتها من خلال القوانين البيئية إما بالحماية الموسمية أو حماية النطاقات المهمة فيها وتطوير شبكة فعالة من المحميات البحرية للتقليل من ضغوط التنمية الساحلية والسياحة العشوائية، التي تؤدي إلى تدهور المواطن الطبيعية».
وذكرت أن «الجزر الجنوبية بحاجة الى الحماية، بما يعزّز التوازن بين التنمية البيئية والاجتماعية والاقتصادية، ومن المهم إدراجها ضمن خطط التكيف المناخي الوطنية، عبر استخدام الحلول الهندسية الطبيعية والهجينة لحماية السواحل».
ودعت إلى «اعتماد تقنين الزيارات إلى الجزر من خلال دراسة وتقييم القدرة الاستيعابية السياحية، لتحديد أعداد الزوار بما لا يتجاوز الحدود البيئية وتنفيذ برامج مراقبة بيئية باستخدام نظم المعلومات الجغرافية (GIS) والاستشعار عن بعد لرصد التغيرات في التنوع البيولوجي وتآكل السواحل».
بطاقة تعريفية للجزيرة
• محمية بحرية تبلغ مساحتها 75 كيلومتراً مربعاً
• تحت ملكية وإشراف الهيئة العامة للبيئة
• تتميّز الجزيرة بشعابها المرجانية وتربتها التي تنمو عليها النباتات الملحية
• تقصدها أنواع مختلفة من الطيور أهمها طيور الخرشنة التي تتكاثر عليها
تحديات بيئية
أكدت بهزاد أن «الجزيرة تواجه تحديات بيئية جسيمة، في مقدمها ارتفاع مستوى سطح البحر، الذي يهدد البنية الجيومورفولوجية للشواطئ، ويُعرّض النظم البيئية الساحلية للخطر».
وأضافت أن «زيادة درجات حرارة المحيطات وتحمضها في العالم، تزيد من تدهور الشعاب المرجانية وابيضاضها، إضافة إلى ذلك، فإن الجزيرة معرضة للتآكل، ما ينعكس سلباً على مصائد الأسماك، والأمن الغذائي، والدفاعات الطبيعية ضد العواصف ويُهدد ديمومة النظم البيئية الحساسة، مثل مناطق تعشيش السلاحف، والطيور الساحلية».