| د. محمد حسان الطيان * |
هل يدرك الذين يقومون على وسائل الإعلام خطورة الساحة، التي يتقدمون للعمل فيها وضخامة الأثر الذي يخلفونه؟
أيدركون أنهم حين يتصدون لمثل هذا العمل الفكري العظيم إنما يتحكمون في غذاء الملايين من الناس، وأن في أعناقهم أمانة الوفاء لهذه الملايين وإيثارها بكل نافع ومفيد؟
أيفكر الذين يقرعون آذاننا بلغة ملوثة يشيع فيها الخطأ واللحن والركاكة والضعف والعامي والأجنبي بخطورة بل بجريرة ما يصنعون على أمننا اللغوي والثقافي؟
إن الارتقاء بلغة الإعلام ليس أمرا سهلا، ولكنه ليس بالمستحيل. وإذا أيقنا أننا أمام معركة تبدو في ظاهرها دفاعا عن العربية، ولكنها في عمقها وجوهرها دفاع عن الهوية والانتماء، ودفاع عن الوجود العربي والإسلامي ذاته في مواجهة التغريب والاندثار، علمنا مقدار المسؤولية الملقاة على عواتقنا، فهان في سبيل تحقيقها كل صعب، وتيسر كل عسير.
وسنحاول في ما يأتي أن نقترح خطة ذات شعبتين، تخص الأولى سبل النهوض بلغة وسائل الإعلام، وتخص الثانية سبل خدمة هذه الوسائل للعربية.
أما سبل النهوض بلغة وسائل الإعلام فهي:
1 - انتقاء المذيعين ومقدمي البرامج: يجب أن يشترط في من يرشح للعمل مذيعا أو مقدما، أن يكون حاصلا على الإجازة في اللغة العربية وآدابها بدرجة جيدة على الأقل، فضلا عن مؤهلاته الإعلامية. وأن يخوض مسابقة ينتقى من خلالها الأكفأ لغويا.
2 - أن يخضع المذيعون والمقدمون لدورات لغوية تأهيلية، يجري فيها التركيز على المهارات الآتية:
أ- النحو الإعلامي الوظيفي: ويندرج تحته كل ما يعين على إقامة اللسان من بحوث النحو، ولاسيما علامات الإعراب الفرعية «كرفع المثنى بالألف ونصبه وجره بالياء...».
ب- الإلقاء والأداء: ويندرج تحته كل ما يسهم في تحسين الإلقاء وتجويده، من معرفة مخارج الأصوات وصفاتها، ومواضع الوقف والوصل والفصل، وما أشبه ذلك من نبر وتنغيم.
ج- الأخطاء الشائعة: وهي تلك المفردات والتعابير التي تخالف النظام اللغوي العربي نحواً أو صرفاً أو إملاءً أو لغةً أو تركيباً، وقد انتشرت على ألسنة الناس وحلت محل الصواب، ورسخها عند الكثيرين المقولة الفاسدة : خطأ شائع خير من صواب ضائع. وقد تصدى لهذه الظاهرة كثير من اللغويين، كالعدناني في معجم الأخطاء الشائعة والزعبلاوي في معجم أخطاء الكتاب، ولعل من أهم ما صدر في هذا المجال كتاب «أخطاء اللغة العربية المعاصرة عند الكتاب والإذاعيين» للدكتور أحمد مختار عمر لأن له عناية خاصة بأخطاء المذيعين.
3 - تطوير الإمكانات اللغوية باستمرار:
وذلك بعقد دورات تقوية دورية، يتبعها المذيع والمقدم كل مدة، ليجدد اطلاعه اللغوي، وينمي مهاراته الأدائية، ويكتسب المزيد في مجال التذوق الأدبي والمعرفة اللغوية.
4 - الرقابة اللغوية المستمرة:
لابد من وجود رقابة لغوية دقيقة وصارمة على ما يبث من برامج، لاسيما تلك التي تعنى بالثقافة والأخبار والأدب والدين، وقد ثبت أن الإذاعات والقنوات التي تعنى بهذه الرقابة هي الأرقى لغويا، والأعظم انتشارا، والأبعد عن الوقوع في الغثاثة والتفاهة.
وأما سبل خدمة هذه الوسائل للعربية فلها مقال مقبل إن شاء المولى سبحانه.
* منسق مقررات اللغة العربية بالجامعة العربية المفتوحة
[email protected]