يُعقد حالياً عدد من اللقاءات التي تنظمها الإدارة الجامعية على شكل ورش عمل، من خلال المختصين بالشؤون الإدارية والأكاديمية، مع أعضاء هيئة التدريس في كل كلية على حدة، وذلك لتبادل الأفكار والتصورات بشأن إعداد الخطة التنفيذية لإستراتيجية جامعة الكويت 2018 - 2028.
ولا شك أن هذه المبادرة تمثل سابقة محمودة تُحسب للإدارة، إذ تعبّر عن رغبة واضحة في إشراك الزملاء من أعضاء الهيئة التدريسية الذين يمتلكون معارف وخبرات ثرية في مختلف التخصصات.
والأجمل من ذلك أن تتاح الفرصة لسماع ما يختلج في صدور وأذهان هؤلاء الزملاء من ملاحظات ورؤى ومقترحات قابلة للتطبيق، يمكن أن تسهم في صياغة إستراتيجية جديدة واقعية ومثمرة، تأخذ بعين الاعتبار متطلبات المرحلة المقبلة وتحدياتها، وتعيد تقييم الإستراتيجية السابقة التي صيغت في عام 2018.
وفي هذا السياق، أرى أن مبادرة الإدارة الجامعية تستحق أن تقابل بمبادرات إيجابية وتفاعلية من قبل أعضاء الهيئة التدريسية، وبخاصة جمعية أعضاء هيئة التدريس، من خلال تقديم أوراق مكتوبة تتضمن مقترحات مدروسة يتم توثيقها ومناقشتها بصورة علمية ومنهجية.
لكن، من المؤسف أن هذه اللقاءات جاءت في أواخر الفصل الصيفي، وهو توقيت مزدحم بالواجبات والاختبارات والمحاضرات الختامية، ما حال دون مشاركة بعض الزملاء الذين كانت لديهم أفكار وتصورات مهمة.
ومع ذلك، فإن الفرصة لاتزال متاحة للتواصل مع الجهات المعنية عبر الوسائل المتاحة، سواء بالمخاطبات الرسمية المباشرة أو من خلال الوسائط الإعلامية المتاحة، بهدف توسيع دائرة النقاش وإثراء الحوار.
إن جوهر أي إستراتيجية ناجحة ينطلق من القدرة على توظيف الطاقات البشرية والمادية بالشكل الأمثل لتحقيق الأهداف المرسومة، وبما ينسجم مع طبيعة المؤسسة ورؤيتها. ومن هنا، ينبغي أن تقوم إستراتيجية جامعة الكويت على رؤية واضحة تستثمر الإمكانات البشرية والمالية المتاحة، ضمن إطار أهداف محددة للمرحلة المقبلة.
لا أرغب في الخوض في تفاصيل الغايات التي يتوجب على الجامعة أن تسعى لتحقيقها في ظل المرحلة العلمية الراهنة، حيث تطغى تقنيات الفضاء الرقمي، والذكاء الاصطناعي، واقتصاديات المعرفة، وغيرها من مظاهر الثورة التكنولوجية المعاصرة؛ فهذه المعطيات أعتقد أنها حاضرة بقوة في أذهان فريق التخطيط الذي يعكف على صياغة ملامح الإستراتيجية الجديدة.
ما أرغب فيه هو تسليط الضوء على محور بالغ الأهمية يتمثل في ضرورة الاستثمار الأمثل للطاقات البشرية داخل الجامعة.
فاستناداً إلى التجارب السابقة، يؤسفني القول إن معايير اختيار شاغلي المناصب الإشرافية والقيادية لم تكن تستند غالباً إلى أسس تنافسية واضحة أو معايير كفاءة شفافة. وقد أدى هذا النهج إلى اعتماد أسلوب التدوير بين مجموعات محددة، مما أثار حساسيات ونزاعات بين عدد من أعضاء الهيئة التدريسية، وأضعف روح الانتماء والثقة بالمؤسسة.
إن الاستثمار الحقيقي للموارد البشرية يتطلب اعتماد معايير تنافسية عادلة، وإجراء تقييمات موضوعية وشفافة، بما يعزز الثقة بين المنتسبين للمؤسسة، ويحفز الجميع على العطاء وتحقيق الأهداف المشتركة، بدلاً من إشاعة روح الإحباط أو الصراعات الجانبية.
هذا النوع من الاستثمار لا يمكن أن يُبنى على أساس القربى، أو الانتماءات الفئوية، أو الاعتبارات الشخصية والجهوية.
فجامعة الكويت، بصفتها مؤسسة أكاديمية وطنية، لا يمكن إدارتها بذهنية بيروقراطية جامدة، بل يجب أن تُدار بعقلية تكنوقراطية تلتزم بالكفاءة، وتحتكم إلى مبادئ الحوكمة الإدارية الرشيدة.
وفي هذا السياق، تقدمت مع الزميلين الدكتور إبراهيم الحمود والدكتور فلاح الهاجري، بدراسة تناولت معايير الحوكمة في جامعة الكويت، ورفعناها إلى الإدارة الجامعية.
ونأمل أن تكون هذه الورقة إحدى المساهمات التي يمكن لفريق العمل المعني بالإستراتيجية أن يطلع عليها ويستفيد منها، أو على الأقل، أن تضاف إلى رصيد المقترحات المطروحة للنقاش، وآمل ألا يكون مصيرها في الدرج أو الرف.