كاتس يُهدّد بـ«فتح أبواب الجحيم» على القطاع

تجويع غزة والتفاوض بـ... سوء نية

28 يوليو 2025 10:00 م

هدّد وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس، بـ«فتح أبواب الجحيم على غزة» إذا لم يُفرج عن الرهائن الإسرائيليين، وكأنّ شعب غزة يعيش في جنة ولم يعان بعد عامين من الحرب المتواصلة، والعقاب الجماعي، والانتهاكات اليومية للقانون الدولي.

يعكس تصريح كاتس، ليس فقط الانفصال الأخلاقي للقيادة الإسرائيلية، بل أيضاً عمق تورّطها في حرب لا يمكنها كسبها. إذ أصبحت غزة الآن مسرحاً لمجاعة مُدبّرة، وقتل يومي (يراوح بين 50 و100 فلسطيني) وتهجير قسري ممنهج، حيث يأمر الجيش الإسرائيلي المدنيين بالانتقال من منطقة مُدمّرة إلى أخرى داخل القطاع المحاصر.

وكشف موشيه سعادة، عضو الكنيست عن حزب الليكود الحاكم، عن هذا الترسيخ، حين صرّح بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لديه خطة إستراتيجية لاحتلال غزة عسكرياً وإجبار الفلسطينيين على الرحيل الجماعي - وهي خطة تطهير عرقي بكل ما للكلمة من معنى.

وعزز وزير المالية بتسلئيل سموتريتش هذه الرؤية عندما أعلن أن إسرائيل «لديها إستراتيجية واضحة»، تُعطي الأولوية لانهاء الوجود الفلسطيني.

ومع ذلك، مازال الواقع على الأرض يتحدى هذا المنطق. فالمدنيون ذوو البطون الخاوية، الذين يحملون أواني الطبخ إلى مراكز توزيع الغذاء القليلة المتبقية في غزة، لا يستسلمون ولا يحملون رايات بيض. فهذه الإرادة الصلبة للبقاء والمقاومة، حتى تحت الحصار، هي التي تترك نتنياهو محاصراً في حرب لا مخرج منها، يلجأ فيها إلى المفاوضات، فقط لتخريبها، كلما اقتربت من حل.

وقد أعلنت إسرائيل عن «هدنة إنسانية» لمدة عشر ساعات يومياً للسماح بزيادة المساعدات إلى غزة بالمقدار القليل، وإن كانت غير كافية، مع استمرار الحرب. ولا ينبغي أن يكون انهيار مفاوضات وقف النار، مفاجئاً. فعندما يكون الطرفان الرئيسيان على الطاولة - الولايات المتحدة وإسرائيل - هما أيضاً مهندسا المعاناة ذاتها التي يدّعيان حلها، تصبح الدبلوماسية مجرد مسرحية سياسية. إذ إن الكارثة الإنسانية التي تتكشف في غزة ليست أضراراً جانبية، بل هي جزء مدروس من إستراتيجية عسكرية وسياسية.

ولا جدوى تُذكر من السعي إلى وقف نار موقت عندما تعرقل الجهات المسؤولة عن إطالة أمد الحرب، حلّها. لم تفشل مفاوضات الدوحة بسبب «حماس»، كما يُصرّ نتنياهو، بل لأن إسرائيل تواصل منع وصول المساعدات، وتصعيد هجومها على رفح، ورفضها إشراك هيئات دولية محايدة في تنسيق الإغاثة ولا تريد إنهاء الحرب.

فنتنياهو سعى، بدعم من شخصيات مثل المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف إلى إلقاء اللوم بالكامل على «حماس»، مُخفياً رفض بلاده للتسوية.

وفي ترديدٍ لخطاب رئيس الوزراء، أعلن الرئيس دونالد ترامب أخيراً «لقد حرّرنا العديد من الرهائن؛ ولايزال لدينا (وهو يتكلم وكأنه معني بالامر مباشرة) 20 رهينة على قيد الحياة»، مُكرّراً الرواية الإسرائيلية المُحيطة بمحادثات وقف النار ومستقبل غزة.

ويُواصل نتنياهو نفسه التصريح بأن «القتال في غزة سيستمر» وأن هدفه الأساسي يبقى «تحرير الرهائن» - وهو هدفٌ فشلَ بوضوح في تحقيقه خلال العامين الماضيين.

ونظراً لعجزه عن الاعتراف باستحالة أهدافه، يسعى رئيس الوزراء إلى وقف النار بشروطه الخاصة: شروط تُمكّن من نقل الفلسطينيين قسراً من رفح إلى ما يُطلق عليه مُجازاً «مدينة إنسانية» - وهي في الواقع منطقة آعتقال مفتوحة. ويبدو أن خطته الأوسع تُركّز على إجبار «حماس» على الخضوع، ومقايضة إطلاق سراح الرهائن بمساعدات إنسانية مُقنّنة، واستخدام التجويع كوسيلة ضغط لتعزيز السلطة وتسهيل التطهير العرقي.

فواشنطن وتل أبيب متواطئتان في تجويع 2.5 مليون شخص في غزة - بمن فيهم أكثر من 100 ألف طفل ونحو مليون امرأة وفتاة - من خلال العرقلة المتعمدة للغذاء والإمدادات الطبية والمساعدات الأساسية. رفضت إسرائيل مراراً السماح بوصول غير مقيد للقوافل الإنسانية ومنعت وكالات الأمم المتحدة من الإشراف على توزيع المساعدات. وبدلاً من ذلك، تحافظ على خنق عسكري على رفح، بمساعدة متعاقدين أميركيين، وحولت الجيب المحاصر إلى «مصيدة موت» للمدنيين.

ووفقاً للمنظمات الطبية في غزة، يواجه أكثر من 40 ألف طفل موتاً مؤكداً إذا لم يُسمح بدخول حليب الأطفال والأدوية إلى القطاع. أولئك الذين نجوا من الغارات الجوية والقصف، يموتون الآن من الجوع. هذا ليس عرضياً؛ إنه قسوة من صنع الدولة.

وعمليات الإنزال الجوي الإنساني، غير كافيةٍ لاحتياجات شعبٍ على شفا المجاعة الكاملة. والعديد من الشحنات قد تُخطئ أهدافها، فتسقط في البحر، أو تهبط في مناطق غير مأهولة او نواحٍ أعلنتها إسرائيل مناطق عسكرية.

علاوة على ذلك، فإن الحاجة ذاتها إلى الإنزال الجوي، دليل قاطع على المجاعة المفروضة عمداً على غزة. إنها تُكذب إنكار نتنياهو المستمر لوجود أزمة إنسانية. إذا كان لابد من نثر المساعدات من السماء، فذلك لأن الأرض قد تم عزلها عمداً.

الانهيار الأخلاقي

حتى الأمم المتحدة أقرت بالانهيار الأخلاقي المحيط بهذه الأزمة. فأعرب أمينها العام أنطونيو غوتيريش عن تعازيه - ليس فقط للضحايا في غزة، ولكن لفشل القيادة العالمية في التحرك.

وأعرب عن حزنه على «تآكل قيمنا الإنسانية المشتركة، في مواجهة معاناة لا يمكن تصورها يتحملها المدنيون، ومعظمهم من النساء والأطفال»، الذين جريمتهم الوحيدة هي البقاء على قيد الحياة تحت الأنقاض.

فالمجاعة من صنع الإنسان ولا يمكن القضاء عليها إلا من خلال القرار والضغط السياسي القوي، ولكن ليس عندما تكون الجهة التي تغطي هذه الجريمة هي الولايات المتحدة. فإسرائيل تواصل إنكار وجود مجاعة في غزة، حتى في الوقت الذي يشاهد فيه العالم صور أطفالٍ نحيفين وعائلاتٍ يائسة. فيُسمح بدخول عشرات الشاحنات فقط، من أصل 600 شاحنة مساعداتٍ مطلوبة يومياً. ومازالت آلافٌ أخرى - تكفي لإعالة السكان لأشهر - عالقة على الحدود.

هل من المبالغة حقاً المطالبة بتجنيب النساء والأطفال ويلات المجاعة المُدبَّرة؟ الحياد في ظل هذه الظروف ليس دبلوماسية، بل تواطؤ.

لقد كشفت غزة عن الإفلاس الأخلاقي ولن ينسى التاريخ أولئك الذين اختاروا الصمت على العدالة. حتى داخل إسرائيل، تصاعدت حدة الخطاب المتطرف... فقد انتقد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، نتنياهو علناً لسماحه بدخول أي مساعدات إلى غزة، واصفاً إياه بـ«المفلس أخلاقياً»، وطالب بمواصلة حملة التجويع.

وقال إن «الشيء الوحيد الذي يجب إرساله إلى غزة هو القذائف».

لا يمكن لمهزلة مفاوضات وقف النار أن تحجب الحقيقة: هذه ليست حرباً من أجل الأمن، بل هي حرب استسلام وتهجير وإبادة مدروسة. على العالم أن يقرر الآن ما إذا كان سيبقى متفرجاً على المجاعة المُدبّرة والتطهير العرقي، أم سيتحرك أخيراً لكسر المجاعة الانسانية!