الدبلوماسيات... صوت التجربة والحكمة

سفيرة تركيا: الدبلوماسية مسؤولية إنسانية قبل أن تكون وظيفة

19 يوليو 2025 10:00 م

في عالم تتعاظم فيه التحديات وتتسارع التغيرات، تبرز المرأة الدبلوماسية كصوتٍ للحوار والتجربة والحكمة، وجسرٍ للتفاهم، وأداةٍ فعالة لصناعة السلام وتعزيز التنمية. وفي هذه السلسلة من الحوارات الخاصة، نسلّط الضوء على تجارب سفيرات ودبلوماسيات يمثلن بلدانهن في الكويت، حيث كشفن لـ«الراي» عن القصص الملهمة التي تقف خلف المواقف الرسمية، والأدوار الفاعلة التي تؤديها النساء في صياغة السياسات الخارجية، وبناء الجسور بين الشعوب، والدفاع عن قضايا أوطانهن. من التحديات إلى النجاحات، ومن البرلمان إلى السفارات، تروي لنا هؤلاء السيدات مسيرة مليئة بالإصرار، والانتماء، والرؤية.

رحلة

تحدثت السفيرة التركية لدى الكويت طوبى نور سونمز، عن رحلتها في العمل الدبلوماسي، والدوافع التي ألهمتها، والتحديات التي واجهتها كامرأة، ودور النساء في الساحة الدولية، مشددة على أن الدبلوماسية الحقيقية تبدأ من التعاطف وتصب في خدمة الإنسانية.

وتصف السفيرة سونمز رحلتها المهنية لـ«الراي»، فتقول «أنا أنحدر من بلد يقع في نقطة التقاء أوروبا والشرق الأوسط والقوقاز والبلقان، ونشأت في تركيا خلال تسعينيات القرن الماضي، وشهدت عن كثب حروباً ومآسي إنسانية عالمية، من حرب الخليج إلى النزاعات في البلقان والقوقاز، وأذكر فظائع مجزرتي سريبرينيتسا ورواندا، حيث عانى المدنيون من عنف يفوق الوصف، كل هذه الأحداث جعلت السياسة الدولية، بالنسبة لي، مسؤولية إنسانية عميقة، لا موضوعاً نظرياً».

وتضيف «عملت في منظمات المجتمع المدني، وشاركت في مهام إنسانية بعدة دول أفريقية، قبل انضمامي لوزارة الخارجية التركية، وهذه التجارب الميدانية منحتني فهماً حقيقياً لاحتياجات الناس وصعوبات التنمية. لاحقاً، وخلال عملي في رئاسة الجمهورية، تفاعلت عن قرب مع دبلوماسيين ومسؤولين دوليين، ما عزز إيماني بأن الدبلوماسية مجال يجمع بين السياسات العامة والتعاطف والأثر الواقعي».

تحديات المرأة

وتطرقت سونمز إلى أبرز التحديات التي واجهتها كامرأة في العمل الدبلوماسي، فتؤكد أن «النساء رغم أن انخراطهن في السلك الدبلوماسي متأخراً مقارنة بالرجال، فإن تركيا تسير بخطى جيدة. ولدينا اليوم عدد كبير من السفيرات والدبلوماسيات في مناصب قيادية. ومع ذلك، فمازال هناك تصوّر قديم بأن الدبلوماسية مهنة (رجالية). وبرأيي، فإن الرد الأفضل على هذا التحدي هو التركيز والانضباط والاحتراف، لأن الجودة تفرض نفسها بمرور الوقت، وأنا متفائلة بأن النساء سيتغلبن على جميع العوائق».

ووجهت نصيحة للفتيات الراغبات في العمل الدبلوماسي، «ابدأن بمراقبة الدبلوماسيين المتمرسين. وتعلّمن كيف يتعاملون مع التعقيد واتخاذ القرار تحت الضغط. ولكن لا تتبعن نفس المسار بالضرورة، فالعالم تغير. ونحن نعيش اليوم في عصر الدبلوماسية الرقمية، الذكاء الاصطناعي، وحروب هجينة عابرة للحدود، من فلسطين إلى أوكرانيا، ومن أزمات الغذاء إلى التغير المناخي، التحديات تتزايد. وهذا يتطلب مهارات جديدة، وذكاء فطرياً، ووعياً عالمياً أوسع».

وضربت «أمثلة ملهمة، مثل السيدة الأولى أمينة أردوغان، التي أثرت الأجندة الدولية من خلال مبادرات إنسانية وبيئية، أبرزها حملة (صفر نفايات) المعترف بها عالمياً. فعلى المرأة في السلك الدبلوماسي أن تدرك أن دورها يتجاوز تمثيل الدولة، هي تساهم في تشكيل عالم أكثر شمولاً وتعاوناً».

تأثير

وعن اللحظة التي شعرت فيها أنها أحدثت أثراً حقيقياً في عملها، تذكر أنه «بعد الزلازل المدمرة التي ضربت تركيا في 6 فبراير 2023، كان لتجربتي السابقة في العمل الإنساني دور كبير في تسريع الاستجابة، بالتعاون مع فريق السفارة في الكويت، نسقنا جهود الإغاثة وتواصلنا مع شركاء محليين. واستجابت الكويت بسرعة، وأقامت جسراً جوياً وشاركت بتبرعات سخية. وأنا رافقتُ إحدى طائرات الإغاثة الكويتية إلى مناطق الزلزال برفقة وزيرة الشؤون الاجتماعية السابقة، السيدة مي البغلي. كان لهذا الموقف أثر بالغ في نفسي، خصوصاً الوقوف إلى جانب امرأة قيادية أخرى في لحظة تضامن إنساني نادر».

الصفات القيادية الضرورية للنجاح

تقدم السفيرة وصفة للصفات القيادية التي تراها ضرورية للنجاح في هذا المجال، فتقول: «المرونة والوضوح أمران أساسيان. والقدرة على الحفاظ على الهدوء، والتواصل بفعالية، وقيادة الفريق برؤية استراتيجية مهمة للغاية. والتعاطف أيضاً عنصر محوري، لأن القيادة الجيدة تنبع من الفهم الإنساني. كما أن الانفتاح على التعلّم، والقدرة على التكيف مع متغيرات العالم، من المخاطر المناخية إلى الدبلوماسية الرقمية، باتت ضرورية. إضافة إلى ذلك، فإن الصبر والسرية عنصران لا يقلان أهمية. كثير من النتائج المؤثرة تتحقق خلف الكواليس، من خلال بناء الثقة على المدى الطويل».

المجتمعات وإشراك النساء في صنع القرار

ترى سونمز أنه «يمكن للدبلوماسية أن تعكس تنوع المجتمعات التي تمثلها. فالتنوع لا يعني فقط العدالة، بل يعزز فعالية الدبلوماسية. يجب أن تعكس التمثيلات الدبلوماسية التنوع المجتمعي الحقيقي، لا أن تبقى رمزية. ففي بداياتي، عملت مع منظمات تهتم بأقل البلدان نمواً، ورأيت كيف تقود النساء التغيير، سواء في التنسيق الإنساني أو صنع السياسات. فالنساء في المجتمع المدني فاعلات حقيقيات في تحقيق التغيير، وينبغي أن يحدث الشيء نفسه في الدبلوماسية. عندما نُشرك النساء في صنع القرار، فإن المجتمعات بأكملها تستفيد».