ألوان

من القاهرة (1 من 4)

19 يوليو 2025 10:00 م

اجتمعت مع بعض الإخوة العرب عند أحد الأصدقاء المصريين، ولاحظت من حديثهم أن معظمهم درس في الجامعات المصرية وأنهم يذوبون عشقاً بحب مصر وهم يتذكرون سلسلة من الأحداث الحزينة والسعيدة مثل حرب 1956م وحرب 1973م وانعكاس ذلك على الشارع المصري.

وراحوا يتذكرون أشهَرَ الأساتذة الذين قاموا بتدريسهم في الجامعات المصرية المختلفة سواء في القاهرة أو في الإسكندرية، وكيف أنهم مازالوا يتذكرون إخلاص هؤلاء الأساتذة الذين قدموا لهم المعرفة بكل محبة لأنهم كانوا يؤمنون بأن مستقبل مصر والبلاد العربية يعتمد على هؤلاء الشباب الذين تعلموا تعليماً راقياً.

ومثلما تحدثوا عن مصر ومكانتها المرموقة ثقافياً وفنياً وإعلامياً فإنهم اختلفوا حول التعليم في مصر خاصة التعليم العالي، فهناك من يرى أن هناك تراجعاً كبيراً حدث، بينما يرى البعض الآخر أنه مازال هناك إبداع كبير في مؤسسات التعليم الجامعي في مصر، كما أن مصر «ولّادة» وهي كانت تقود حلم التنوير العربي وأنها كانت وما زالت تستثمر في الإنسان المصري القادر على تقديم الجهود للبيئة المناسبة للتطور العربي في المجالات كافة.

وهناك من يرى أن المبدعين باتوا أقل عدداً مما كان عليه الأمر في السابق على مستوى الممثلين والمطربين والملحنين والشعراء والفنانين التشكيليين، بينما يصر البعض على أننا لم نعد قادرين على مسايرة العصر كوننا ننتمي إلى جِيل جُبل على الاستماع إلى أغنيات طربية، مدة الأغنية أكثر من نصف ساعة، كما هو الوضع مع أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ، وأن هناك سلسلة طويلة من الممثلين المبدعين قدموا روائع فنية خالدة، حيث قال أحدهم الذي درس النقد الفني إن السر كان يكمن في تحويل الروايات إلى أفلام سينمائية فكانت تجربة ناجحة بينما الآن نجد نصوصاً أقل إبداعاً ليرد عليه بأن البيئة الفنية تغيرت وعلينا أن نتيح مجالاً للتعرف على الأغنية الحديثة وفلسفة الأفلام السينمائية الجديدة رغم وجود المسرح القومي والمبدعين في النحت والرسم والخزف، إذ إن المسألة لا تتوقف عند نجيب محفوظ أو عند أحمد زويل أو النحات محمود مختار ومحمود المليجي أو الممثل العالمي عمر الشريف، حيث إن هناك أسماء مبدعة لا تقل إبداعاً عن تلك الأسماء التي تنتمي إلى مجالات إبداعية مختلفة.

واتفقوا على أن هناك تحديات كبيرة أمام جمهورية مصر العربية كونها أكبر وأهم دولة عربية وهي المؤثرة في المنطقة ويقف العالم عند حدود التعامل معها بكل احترام حتى في أسوأ حالاتها السياسية والاقتصادية، إلا أن المكانة المرموقة التي تتمتع بها مصر تجعلها قبلة الإنسان العربي، وما تجمُّعُنا الليلة إلا دليل على هذا الأمر فبعض الحاضرين من دول المغرب العربي والبعض من الشام والبعض من اليمن ودول الخليج العربي ونحن، وإن اختلفنا في بعض الآراء، فإننا نجتمع على حب مصر وعلى مكانة مصر في قلوب الشعب العربي.

ويصر صديقي العربي الذي درس الجغرافيا في جمهورية مصر العربية على أن مصر أم الدنيا وأنها بلد غني بما يمتلك من ثروات يحاول البعض تجاهلها إما عن عمد أو عن جهل، لكن الواقع لا يغير مكانة الذهب حتى لو دفن في باطن الأرض لآلاف السنين على حد تعبيره.

واستعرض أمام الحضور معلوماته عن مصر المحروسة وكأنه تخرج قبل أيام بينما مضى على تخرجه أكثر من نصف قرن من الزمن، وقال إن مصر تمتلك مساحة تصل إلى مليون متر مربع، إضافة إلى 238 مليون فدان من الأراضي الزراعية مع ثلاثة آلاف وخمسمئة كيلو متر على الشريط الساحلي على البحرين الأحمر والأبيض المتوسط، ناهيك عن ألف ومئة كيلو متر هو طول نهر النيل العظيم على أرض مصر المحروسة وبمعيتها أربعمئة وخمسون فرعاً لنهر النيل ومئة واثنان وستون كليومتراً قناة السويس.

تمتلك مصر إحدى عشرة بحيرة طبيعية كما تمتلك أكبر بحيرة صناعية، خمسمئة ألف فدان وهي بحيرة السد العالي.

وطال حديثه بعشق عن مصر؛ حيث ذكر قناة السويس وأثرها الاقتصادي على مصر وعلى دول العالم، إضافة إلى أن هناك مؤهلات أخرى منها أنها تقع في موقع إستراتيجي يربط بين أفريقيا وأوروبا وآسيا، كما أن مصر تمتلك الكثير من الآثار الفرعونية وبقية العصور والحضارات المتراكمة على أرضها، كما أنها تمتلك مسار خروج اليهود ومسار السيدة مريم وابنها المسيح عليه السلام.

وهناك كثافة سكانية يمكن استثمارها حيث إن أغلب الشعب المصري هم من فئة الشباب وهم وقود أي تنمية أو تغيير للأفضل مع بقية العوامل والظروف الاقتصادية والتعليمية والبنية التحتية، ولا ننسى معدل السياحة المتسارع إلى ملايين الناس، كما علينا ألا ننسى العرب والأجانب الذين قرروا العيش في مصر بصورة دائمة ومنهم بعض العرب تبعاً لظروف بلدانهم، الأمر الذي يشكل تحدياً كبيراً، لكن مصر قادرة على التعامل مع مثل تلك التحديات.

وتمتلك مصر الكثير من مقومات الدولة الصناعية المتطورة مثل الأيدي العاملة والصناعات والنفط والزراعة والثروة الحيوانية والسمكية والمنتجعات السياحية والجامعات الحكومية والخاصة.

نعم، هناك تحديات تقف أمام تطور المجتمع المصري لكنها لم تكن عائقاً أبداً مادامت هناك رؤية سياسية واقتصادية تسير عليها جمهورية مصر العربية وهي تخطو خطوات وإن كانت بطيئة إلا أنها لا تتراجع إلى الوراء البتة، ومثلما مصر بحاجة إلى الدعم العربي بشكل عام والخليجي بشكل خاص فإن العالم العربي بحاجة إلى مصر التي ساهمت كثيراً في تحقيق قفزات نوعية في التنمية بمعظم الدول العربية.

وبالنسبة لي، فإنني زرت خلال حياتي الكثير من البلاد العربية والغربية، إلا أنني لم أجد الراحة والاستجمام إلا في جمهورية مصر العربية بشكل عام وفي القاهرة بشكل خاص، رغم كل المنغصات مثل الازدحام الشديد، إلا أنني أتحمل من أجل مصر الحبيبة التي بت أزورها أكثر من مرة كل عام بل إنني أدعو الجميع إلى زيارة مصر، فهي مناسبة للعائلات وللأفراد حيث إن هناك تنوعاً كبيراً في الأنشطة المختلفة.

وتتمتع مصر بطقس معتدل نسبياً وإن كنت قد لاحظت أن درجات الحرارة ارتفعت صيفاً عما كان عليه الوضع قبل عقود من الزمن وهذا الأمر بات حالة عالمية بسبب ثقب الأوزون والاحتباس الحراري الذي تعاني منه حتى الدول الغربية المعروفة بالطقس البارد صيفاً.