في عالم تتعاظم فيه التحديات وتتسارع التغيرات، تبرز المرأة الدبلوماسية كصوتٍ للحوار والتجربة والحكمة، وجسرٍ للتفاهم، وأداةٍ فعالة لصناعة السلام وتعزيز التنمية.
وفي هذه السلسلة من الحوارات الخاصة، نسلّط الضوء على تجارب سفيرات ودبلوماسيات يمثلن بلدانهن في الكويت، حيث كشفن لـ«الراي» عن القصص الملهمة التي تقف خلف المواقف الرسمية، والأدوار الفاعلة التي تؤديها النساء في صياغة السياسات الخارجية، وبناء الجسور بين الشعوب، والدفاع عن قضايا أوطانهن.
من التحديات إلى النجاحات، ومن البرلمان إلى السفارات، تروي لنا هؤلاء السيدات مسيرة مليئة بالإصرار، والانتماء، والرؤية.
وفي هذا الإطار أعربت سفيرة مملكة ليسوتو لدى البلاد، مانتابيسينغ فوهليلي، عن اعتزازها بمسيرتها السياسية والدبلوماسية، مستعرضة أبرز التحديات التي واجهتها والطموحات التي حملتها منذ انخراطها في الحياة العامة وحتى توليها منصبها الحالي.
وفي حديثها لـ«الراي»، قالت السفيرة فوهليلي: «في هذا اليوم الذي نحتفي فيه بدور المرأة في العمل الدبلوماسي، يغمرني شعور عميق بالفخر وأنا أشارك تأملاتي وتجربتي كإحدى النساء المنخرطات في هذا المجال النبيل. فالدبلوماسية، من وجهة نظري، ليست مجرد وظيفة بل رسالة تتطلب صبراً وحكمة، وإخلاصاً في تمثيل الوطن بكرامة ونزاهة».
وأضافت: «طريقي إلى السلك الدبلوماسي تشكّل من خلال رغبة طويلة الأمد، في الإسهام بفعالية في تعزيز انخراط ليسوتو في العالم. فقبل تعييني في هذا المنصب، كنت عضوة في البرلمان لثلاث دورات متتالية، كما توليت منصب نائبة وزير الصحة. وهي أدوار أسهمت في تعميق فهمي لأهمية الحوكمة الرشيدة وخدمة المواطنين بمسؤولية، ومهدت لي الانتقال إلى العمل الدبلوماسي».
تحديات
وعن التحديات التي واجهتها كامرأة في الساحة السياسية والدبلوماسية، قالت: «كوني امرأة تمثل بفخر، دولة صغيرة مثل ليسوتو، واجهت أشكالاً مختلفة من التحيّز الجندري، علنيةً كانت أم خفية. وشعرت أحياناً بأن وجودي كان يُقلل من شأنه، أو يُنظر إلى قيادتي بنوع من الشك، لكنني لم أعتبر تلك العقبات سوى فرص لإثبات الكفاءة والجدارة، وإبراز الرؤية التي تضيفها المرأة للدبلوماسية. الدعم من الموجهين، والتعلم المستمر، والإيمان العميق برسالتي، كانت عوامل جوهرية ساعدتني في تجاوز هذه المساحات». وقالت فوهليلي، عند سؤالها عن تأثير النوع الاجتماعي في أساليب العمل الدبلوماسي: «النساء غالباً ما يتعاملن مع العمل الدبلوماسي بروح من التعاطف والتعاون وبحث التوافق، ورغم أن هذه الصفات ليست حكراً عليهن، فإنها تكون أكثر وضوحاً في أسلوب القيادة النسائية.
وهذا النوع من الأساليب يُفضي إلى بناء الثقة ويعزز الشمولية، ويُنتج حلولاً أكثر استدامة، خصوصاً في مجالات حل النزاعات والدبلوماسية الإنسانية والمفاوضات متعددة الأطراف».
لحظات مؤثرة
لدى حديثها في شأن أبرز اللحظات التي شعرت فيها بأثر ملموس من خلال عملها، قالت: «بما أن هذه أول مهمة لي كسفيرة ولم يمضِ وقت طويل على مباشرتي العمل، أرى أن كل فرصة للتمثيل والتواصل ذات قيمة بحد ذاتها، سواء من خلال تعزيز علاقات التعاون مع الدولة المضيفة، أو تمثيل مصالح ليسوتو في المحافل، أو بناء شراكات تخدم مواطنينا. ومع ذلك، فإن إحدى اللحظات المؤثرة كانت عندما ساهمت في تسهيل حوارات قد تفتح آفاقاً تعليمية جديدة لطلبة من ليسوتو في المنطقة. وعلى الرغم من أن النتائج لم تتبلور بعد، فإن رؤية هذه الإمكانية بحد ذاتها أكدت لي أن للدبلوماسية أثراً حقيقياً وعميقاً في تغيير مصائر الأفراد». واعتبرت أن من بين أهم الصفات القيادية الضرورية في المجال الدبلوماسي: «يكمن في النزاهة، التفكير الإستراتيجي، الذكاء الثقافي، والنضج العاطفي. إنها عناصر أساسية. كما يجب أن يكون الدبلوماسي بارعاً في التواصل، ومجيداً للانصات، فالقيادة في المجال تتمثل في القدرة على إلهام الثقة وتقدير التنوع، واتخاذ قرارات حاسمة في مواقف معقدة. إنها لا تقتصر على تمثيل حكومة معينة، بل تشمل تجسيد القيم الدائمة والتطلعات النبيلة لوطنك».
قوة التعددية
وفي ختام حديثها، أكدت السفيرة فوهليلي أهمية تمثيل التنوع الحقيقي داخل المؤسسات الدبلوماسية، وأوضحت: «على المؤسسات الدبلوماسية أن تتعامل مع مسألة الشمولية بجدية، وهذا يشمل تعزيز المساواة بين الجنسين، وتوفير فرص للأفراد من خلفيات غير ممثلة، وخلق بيئة تُقدَّر فيها التعددية كقوة لا كرمزية. فعندما تعكس الدبلوماسية فعلاً تنوع المجتمعات التي تخدمها، تصبح أكثر عدلاً وفاعلية وقدرة على الاستجابة لحاجات العالم الحقيقية».