قضية كان نقاشها يعد حتى الأمس القريب... من المحرمات

ردود فعل متباينة في دمشق وبيروت بعيد إعلان إسرائيل اهتمامها... بالتطبيع

2 يوليو 2025 10:00 م

دمشق - أ ف ب - في شوارع دمشق وبيروت، يثير إعلان إسرائيل اهتمامها بـ«تطبيع» علاقاتها مع سوريا ولبنان، ردود فعل متباينة إزاء قضية كان نقاشها يعد حتى الأمس القريب من المحرمات.

وأعلن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، الاثنين، أن لدى بلاده «مصلحة في ضم دول جديدة، مثل سوريا ولبنان»، الى «دائرة السلام والتطبيع»، في إعلان لم تعلق عليه دمشق أو بيروت، ويأتي على وقع متغيرات إقليمية جذرية.

في دمشق، أقرّت السلطة الانتقالية بحصول مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل، توضح أن هدفها احتواء التصعيد، بعدما شنّت إسرائيل مئات الغارات على الترسانة العسكرية السورية وتوغلت قواتها في الجنوب عقب إطاحة نظام بشار الأسد.

ومنذ وصوله إلى الحكم، أكد الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، أن سوريا لا ترغب في تصعيد أو صراع مع جيرانها. ودعا لاحقاً المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل من أجل وقف هجماتها، متجنباً في تصريحاته استخدام مفردات وتعابير دأب سلفه الأسد على استخدامها كوصفه إسرائيل بـ«الكيان الغاصب» أو «العدو الصهيوني».

وتقول رانيا الفواخيري، وهي ربة منزل لـ «فرانس برس»، الثلاثاء بينما كانت في أحد مقاهي دمشق «لا مشكلة في أن نجري مفاوضات سلام (مع إسرائيل)، لكن بما يحفظ كرامة سوريا».

وتضيف «بالتأكيد لا نتحدث عن تطبيع كامل، بل تطبيع مشروط لا ينال من حقنا»، معربة عن اعتقادها بأن سوريا التي خرجت من نزاع مدمر «لا استعدادات أو امكانيات لديها لتخوض حرباً» مع إسرائيل.

وتربط السلطة الجديدة هدف المفاوضات بالعودة الى تطبيق اتفاقية فضّ الاشتباك لعام 1974، لناحية وقف الأعمال القتالية وإشراف قوات من الأمم المتحدة على المنطقة العازلة الفاصلة بين الطرفين.

في المقهى ذاته، يقول المحامي عوض الحمد «ما أعرفه هو أن المفاوضات الجارية... تتعلق بإعادة تنظيم فصل القوات لعام 1974».

لكن في ما يتعلّق بالسلام، وإن «كان من اختصاص القيادة»، على حد تعبيره، لكن تحقيقه دونه شروط.

ويوضح «أي سلام يؤدي إلى إعادة الحقوق السورية، الشعب السوري كله معه. نحن نريد أرضنا، لدينا أرض مغتصبة» في إشارة الى هضبة الجولان التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967، ثم ضمتها عام 1981، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.

ويشدد على أن الجولان «لن يكون إلا عربياً سورياً».

خلال عقود، قدمت المناهج الدراسية في سوريا، إسرائيل بوصفها «عدواً» و«كياناً مغتصباً»، مع عدم الاعتراف بشرعيتها كدولة. وعدّت الصراع مع إسرائيل صراعاً وجودياً، بما يتخطى كونه نزاعاً حدودياً، واعتبرت أن تحرير الجولان «واجب قومي».

ولا تزال سوريا وإسرائيل رسميا في حالة حرب منذ العام 1948. لكنهما وقعتا اتفاقات هدنة ووقف اطلاق نار قبل عقود.

«جزء لا يتجزأ»

وشدّد وزير الخارجية الإسرائيلي الذي قال إن بلاده «مهتمة» بضمّ لبنان وسوريا إلى الاتفاقات الابراهيمية، في إشارة إلى اتفاقات أبرمت برعاية الرئيس دونالد ترامب عام 2020، وأقيمت بموجبها علاقات رسمية بين إسرائيل ودول عربية عدة، على أن هضبة الجولان ستبقى «جزءاً لا يتجزأ» من إسرائيل في أي اتفاق سلام محتمل.

وطالبت سوريا مراراً خلال حكم عائلة الأسد في جولات تفاوض باستعادة هضبة الجولان كاملة في مقابل السلام مع إسرائيل.

ومع اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، توقفت المفاوضات تماماً، بينما توسع نفوذ إيران ومجموعات موالية لها.

وتأتي مساعي إسرائيل للتطبيع، بعدما أضعفت خصومها بهجمات عسكرية غير مسبوقة خصوصاً «حزب الله» وإيران، عدا عن تغير الحكم في سوريا.

وتضغط الولايات المتحدة، حليفة إسرائيل، بدورها من أجل السلام.

وقال المبعوث الأميركي إلى سوريا توم برّاك الأحد، إن السلام مع إسرائيل ضروري لسوريا ولبنان. ونقل عن الشرع قوله إنه «لا يكره إسرائيل ويريد السلام» عند الحدود معها.

وطلب الدبلوماسي الأميركي من المسؤولين اللبنانيين التزاماً رسمياً بنزع سلاح «حزب الله» المعارض بشدّة لاتفاقات التطبيع مع إسرائيل.

ورغم سريان وقف لإطلاق النار، تواصل إسرائيل شن ضربات على لبنان وتؤكد أنها لن تسمح للحزب بإعادة بناء قدراته بعد الحرب التي تكبّد فيها خسائر كبيرة على صعيد بنيته العسكرية والقيادية.

«سنقاتله»

ويتعهد المسؤولون اللبنانيون حصر السلاح في يد الدولة، ويطالبون إسرائيل بالانسحاب من خمسة مرتفعات إستراتيجية تقدمت إليها خلال الحرب، ولم تنسحب منها بعد وقف إطلاق النار.

وأثارت الحرب التي خاضها «حزب الله» ضد إسرائيل انتقادات واسعة في لبنان، بعدما أدت الى مقتل أكثر من أربعة آلاف شخص وألحقت دماراً واسعاً بأجزاء من البلاد، وعمّقت من الأزمة الاقتصادية.

في شارع الحمرا في بيروت، يقول نعيم قصير (71 عاماً) لـ «فرانس برس»، إن «سلامة لبنان هي الأهم، وإذا كانت لا تتحقق إلا بالتطبيع... يمكن ابرام معاهدة سلام حتى نعيد بناء بلدنا».

ويعرب عن اعتقاده بأن التطبيع «يُبرم بين الحكومات، ولا يسري على الشعوب».

على بعد عشرات الأمتار، في شارع الحمرا أيضاً، يقول سائق سيارة الأجرة أحمد شمص (46 عاماً) «لو طبّع العالم كله مع إسرائيل... فنحن أصحاب الأرض في الجنوب والبقاع والضاحية لن نطبع معه».

ويضيف «سنبقى نقاتله حتى تنتهي الدنيا».