قيم ومبادئ

الفكر الثوري وأهله... وداعاً

26 يونيو 2025 10:00 م

الإسلام بطبيعته دين سماحة وجماعة، وليس دين فرد أو طائفة، قائم على تحري السداد والمقاربة، فجعل الشورى أساس الحكم في إدارة شؤون البلاد واعتمدت الأمة مذهب الجمهور في الفقه وتركت الأقوال الشاذة، وجاءت الشريعة بالإجماع واعتبرته المصدر الثالث من مصادر التشريع بعد القرآن والسنة كما أن من أصول العقيدة الصحيحة أن (يد الله مع الجماعة ومن شذّ شذَّ في النار)، ومكونات المجتمع الإسلامي رسمت له اتجاهاته وجُرّب العمل بها على مدى ثلاثة قرون، فكان نجاح التجربة معجزة من معجزات التاريخ الإنساني.

وهذه السُنن في كُلياتها وفروعها تأخذ بأيدي المسلمين حكّاماً ومحكومين إلى البدء في كل شيء بـ«بسم الله الرحمن الرحيم» من أول الخط المستقيم إلى الوصول إلى آخره وهُم على الجادّة ولا يروغون عنها كما تروغ الثعالب... وهم في صلواتهم يدعون ربهم في كل يوم على الأقل سبعة عشر مرة «اهدنا الصراط المستقيم»، فانتشرت دعوة الإسلام من مآذن التوحيد في قارات الأرض.

فسعدت شعوب الأرض بالانضمام إلى هذه الدعوة وأهلها من العرب الأولين واعتز المشارقة والمغاربة بالولاء لهم والانتماء لقبائلهم... وكانوا حقاً خير أمة أخرجت للناس قائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومتعاونين عليه ومقتنعين بأن الطريق المستقيم أقرب الطرق وأقصرها وأيسرها للوصول إلى الهدف العام ولتحقيق تطلعات الشعوب.

ولكن لما توسعت الفتوحات شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً واختلطوا بالشعوب الأخرى والثقافات واستعجم العرب واللسان العربي... اندس فيهم أبالسة فشلوا في تحطيم الجماعة بالقوة فزعموا أنهم انضموا إليها وأنهم صاروا من حُماتِها. فاخترعوا لأهلها طُرقاً متشعبة في (بُنيات الطريق) وأقنعوا من أقنعوه منهم بأن (التخريم) فيها أقرب إلى الأهداف من الالتزام بالصراط المستقيم!

وترتب على ذلك أن صار كثير من المسلمين يقولون في صلاتهم لربهم «اهدنا الصراط المستقيم» وهم غير جادين لأن يكونوا من أهل الصراط المستقيم، فتفرق المسلمون في الأصول والفروع وصار لمجموعهم لونّ آخر غير اللون الذي كان للجماعة الأولى التي دانت لها أُمم الأرض وطُوّعت لرسالتها أعناق وقلوب الرجال...

هنالك استعجم الإسلام -كما يقول الشيخ محمد عبده- وتحول أهله من أمة (صدق) إلى أمة ترى فلاح الجماعة وبلوغ غايات أفرادها بالتفنن في الأساليب الملتوية والطرق المتعرجة والتعصب للنِّحَل المتعارضة... فاستمرت هذه الحال أكثر من ألف عام، وعلماؤنا باتوا اليوم بين مشتغل بعلوم الإسلام بنطاق ضيق... وبين متعلم بالمناهج العصرية الحديثة التي أبعدته عن أصالته فضاع في مسالك المعاصرة ودروبها المُغرية.

... وبين هذين الصنفين صنف ثالث ارتفع عن مستوى الصنف الأول وآتاه اللهُ بصيرةً فرّق بها بين الحق والباطل ومعرفة امتاز بها عن الصنف الثاني، وهؤلاء مع أنهم قلة قليلة قد جرفتهم الحياة بتيارها الجارف ومشاغلها إلا من رحم ربي... ولكن أملنا بالله كبير أن يصطفي لنا من أجيال الشباب القادمة من يقود هذه الأمة بالعلم والعمل حتى تتبلور لهم صورة أصيلة لصراط الإسلام المستقيم ولبُنيات الطريق التي تاه فيها المسلمون ليعودوا منها إلى سبيلهم الأول متوجهين باستقامة وسداد إلى الهدف الأعظم فيعود لهم مجدهم الغابر.

ولا يكون ذلك إلا بعون الله تعالى ومدده وحده ثم بالاصطفاف خلف ولاة الأمور، «ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم».