رأي نفطي

أسعار النفط ترتفع وتستقر... رغم الزيادات

24 يونيو 2025 12:00 ص

يواصل النفط تسجيل ارتفاع ملحوظ في أسعاره، مستقراً عند حدود 77 دولاراً للبرميل، دون أن يتأثر بشكل مباشر بالمخاوف المرتبطة بالحروب المحتملة أو التوترات الجيوسياسية المتصاعدة. وتستمر منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) في رفع إنتاجها منذ شهر مارس الماضي، وهو ما يدعو إلى التساؤل حول الأسباب الحقيقية التي تقف خلف هذا الارتفاع القوي، من 66 إلى 77 دولاراً خلال الأسابيع الأخيرة.

هل يعكس هذا الارتفاع تخوفاً من تراجع الأسعار خلال الأسابيع المقبلة؟ أم أنه نتيجة لتوقعات أوبك بزيادة في الطلب العالمي على النفط، بالتوازي مع غياب أزمة تمويل محتملة في الأسواق؟

وعلى الرغم من أن السبب المُعلن يتمثل في كبح التجاوزات داخل المنظمة في ما يخص معدلات الإنتاج، فضلاً عن تزايد صادرات بعض الدول المنتجة خارج أوبك، إلا أن الساحة النفطية تشهد أيضاً محاولة من المنتجين الأميركيين لرفع معدلات إنتاجهم لتتجاوز 13.56 مليون برميل يومياً، إلى جانب تعزيز وارداتهم من النفط الخام من الدول المجاورة.

ويأتي ذلك في ظل خشية المنظمة من فقدان حصصها التقليدية في السوق العالمية لصالح منافسين جدد. ومن هنا قد يُفهم قرار أوبك بزيادة الإنتاج كخطوة للحد من تجاوزات بعض أعضائها الذين لم يلتزموا بحصصهم الإنتاجية، بل تعدوا أيضاً على حصص الدول الأخرى.

ويُلاحظ أنه مع كل قرار تتخذه المنظمة بخفض الإنتاج، لا يمر وقت طويل حتى تظهر مخالفات من بعض الأعضاء، إما لأسباب سياسية أو اقتصادية، رغم أنهم قد أقرّوا الاتفاق قبل ساعات فقط أو أثناء توقيع اتفاقيات تقاسم الحصص.

ومن المحتمل أن السبب الجوهري لرفع الإنتاج منذ مارس الماضي يعود إلى تصاعد التوترات الإقليمية، ولا سيما القلق من احتمالية إغلاق مضيق هرمز، أو توسع نطاق الحرب، ما دفع بعض الدول المستهلكة إلى رفع احتياطاتها من النفط، وبالتالي منعها من تحميل أوبك+، بما فيها روسيا، مسؤولية نقص الإمدادات أو عدم زيادة الإنتاج. غير أن المفاجأة الكبرى كانت في أن هذا القرار ساهم في رفع أسعار النفط بأكثر من عشرة دولارات للبرميل، وهو أمر لم يكن متوقعاً.

ولا شك أن هذا الوضع يستدعي نقاشاً واسعاً، إذ إن أسعار النفط ارتفعت رغم الفائض الظاهر في الأسواق، وفي وقت كانت فيه أوبك تدعو إلى خفض الإنتاج لتفادي الهبوط إلى مستوى 65 دولاراً للبرميل. ومع أن المنظمة زادت إنتاجها بواقع 2.2 مليون برميل في أبريل الماضي، لا تزال هناك كميات إضافية يمكن حجزها حتى نهاية العام الجاري، ما لم تحدث تطورات مفاجئة تؤثر على توازن السوق.

لكن يبقى التساؤل قائماً: هل ستنعكس هذه الزيادة في الأسعار إيجاباً على موازنات الدول المصدّرة؟ وهل ستسهم في تقليص اعتمادها على الاستدانة من البنوك العالمية؟ يصعب التنبؤ بذلك، خصوصاً أن السعر المطلوب لتحقيق توازن في الميزانيات النفطية يتراوح بين 92 و95 دولاراً للبرميل. ومع ذلك، من المرجّح أن العديد من دول الخليج ستواجه عجزاً مالياً مع نهاية العام المالي خلال الأشهر الستة المقبلة.

ويبقى السؤال الأهم: أيهما أكثر جدوى، الاستمرار في الاستدانة، أم التوجّه إلى الخصخصة وبيع بعض الأصول العامة لتغطية العجز المالي المزمن؟ فرغم أن الخصخصة قد تفتح المجال لدخول شركاء محليين ودوليين من ذوي الخبرات المتخصصة، ما من شأنه أن يُحسّن من أداء المؤسسات العامة ويرفع كفاءتها، فإن كثيرين يرون أن الاستدانة -على الأقل في المرحلة الراهنة- قد تكون الخيار الأنسب للحفاظ على استقرار الهياكل الاقتصادية.

وفي نهاية المطاف، فإن أي ارتفاع في أسعار النفط لن يؤدي إلا إلى تخفيض الدين العام جزئياً، دون أن يُحدث تغييراً هيكلياً أو يُعزّز من الابتكار والتجديد المؤسسي، وهو ما يبقى التحدي الأكبر في مستقبل السياسات الاقتصادية والنفطية للدول المنتجة.

محلل نفطي مستقل

[email protected]