عبدالرحمن فهد بوزبر / كلمة رثاء ورسالة شكر وثناء

1 يناير 1970 04:59 م

أستميحك عذرا يا ولدي باني لم ارثك بما تستحقه مني من رثاء، استميحك عذرا يا ولدي باني لم اقل في حقك ما استطاع ان يقوله غيري عنك، وما ذلك بتقصير أو عجز مني، ولكني حتى كتابة هذه الكلمات وحتى هذه اللحظات تعتصرني عليك لوعة الفراق وتهزني قوة الفجيعة لذكراك، فو الله لا تزال صورتك مطبوعة في عيني ولا يزال صدى صوتك يسري في اذني، ولايزال اسمك يا فهد محفوراً على لساني يرطبه كلما ظمئت لذكرى اسمك، لم تغب عن بالي لحظة، فما زالت عيناي تذرف دموعهما لفراقك ومازال قلبي ينقبض كلما عاد وتخيلك تمرح وتمزح معنا في مساء تلك الجمعة التي وكأنك شعرت فيها بالنهاية فبقيت معنا لتشبع ناظريك منا جميعا.

فكيف اسلاك يا فهد وانت قطعة مني ملتصقة في بدني، وكيف انساك يا فهد وقد كنت انت شغل حياتي، كيف ذلك واسمك هو اسم ابي، كيف ذلك وصورتك مطبوعة في ذاكرتي، كيف استطيع في خضم هولي ان اعود إلى طبيعة حياتي، وانا الذي توقعت عودتك إلى بيتك كعادتك بعد انسحابك الهادئ في ذلك اليوم، واذا بي اصدم بالقدر الذي خطفك من احضاني وانتزعك مني.

تراجعت ارادتي بوداعك، وضعفت عزيمتي لجراحك، وتفاقمت آلامي لآلامك، تزعزع كياني لما اصابك في هذا الحادث، ويا لهول ما اصابك.

يا ولدي الحبيب- لن انساك ابدا، لن انساك في صحوتي، ولن انساك في غفلتي، لن انساك بين صحبتي، ولن انساك في وحدتي، فانت معي دائما بظلك الخفيف وبروحك المرحة، ستظل توأم روحي الهج باسمك واذكرك ابدا ما حييت.

ولدي - الحبيب لقد اختارك الله من بيننا وهذه ارادته وهذا تدبيره، وقد كنا جميعا نخطط للاحتفال بتخرجك طبيبا للاسنان، والاحتفال بزواجك و رؤية اولادك لنقر عينا، لكن الله آثرك علينا واختارك لجانبة اثر حادث اليم تسبب به مستهترطائش لا يعي ما حوله ولا يشعر بمدى الاثم الذي ارتكبه.

وعندما استحل ما حرم الله وأزهق نفسا بريئة بغير اثم، حسبي الله يا ولدي... حسبي الله ونعم الوكيل...

ولا اشكو حزني الا لله العلي العظيم... والحمد لله لا يحمد على مكروه سواه.

ولدي الحبيب... لقد اثنى عليك أساتذتك وزملاؤك ثناء عجزت أنا والدك ان آتي بمثله، لقد نصبوك مثالا طيبا يحتذى به لطالب العلم الجاد المثابر المجتهد الذي يقضي في محراب كليته وقتا اكثر من الوقت الذي يقضيه مع اهله، ووصفوك بابن الكلية البار الذي وهب نفسه وبكل رضا نفس وعن طيب خاطر لمساعدة زملائه واقرانه، ولم يقتصر ثناؤهم عليك بالقول فقط، بل برهنوا على ذلك بتهافتهم على الاعمال الجليلة الخيرية التي باذن الله تعالى ستخلد اسمك وذكراك من بعدك فاستنهضوا الهمم وشمروا السواعد وتنادوا انك «يا فهد حي ترزق» بيننا... خالد في نفوسنا... باق في ذاكرتنا، وها هم وان غبت عنهم جسدا فانك قد بقيت بخفة روحك وحسن علاقتك بهم وكريم خلقك وجزيل عطائك يا حبيبي خالدا في اعماقهم وفي اعماق قلوبنا، فانت يا فهد من قصده الشاعر في قوله:

«الناس صنفان موتى في حياتهم

وآخرون ببطن الأرض أحياء».

فأساتذتك نعم الاساتذة الذين استقيت علمك على يدهم وصحبك هم خير صبحة اخترت رفقتهم، وافضل اخوة عشت معهم، والعاملون معك بالكلية على اختلاف اجناسهم وجنسياتهم واديانهم هم اطيب عاملين اختلطت وعملت معهم يا خير فهد، واني لاقف عاجراً حائراً امام صنائعهم ومشاعرهم تجاهك يا فلذة كبدي متيقنا بانني لن اوفيهم حقهم مهما شكرت له مواساتهم لي في فقدك، لكنني سأظل اخصهم بدعائي إلى الله ان يجزيهم على ما فعلوه خير الجزاء ويوفقهم ويحفظهم من كل مكروه.

ولا يفوتني ان اخص بالذكر اصحاب الاقلام الصادقة في جميع الصحف الذين اطلقوا العنان لحبر اقلامهم ليسطروا بذلك اروع ما قيل واعظم ما كتب في حقك يا ولدي، فجزاهم الله على ذلك اجزل الجزاء.

ولا املك لك يا فهدي الا السؤال إلى الله ان يضاعف حسناتك ويتجاوز عن سيئاتك ويسكنك فسيح جنانه، وان يعوضك دارا خيرا من دارك واهلا خيرا من اهلك، وصحبا خيرا من صحبك، ويجمعنا بك يوم الجمع في جنات الخلد... اللهم آمين... اللهم... وإنا لله وإنا إليه راجعون.


والدك

عبدالرحمن فهد بوزبر