قيم ومبادئ

غُلبت الروم!

19 يونيو 2025 11:04 م

العداوة بين الفرس والروم (اليونان) عداوة تاريخية قديمة... وسببها التنازع على السيادة في العالم لأنهما كانتا أعظم حضارتين متعاصرتين بحدود متاخمة عرفها التاريخ واتصلت تلك العداوة إلى زمن الإسكندر الكبير، 365 ق.م، ثم اتصلت في عصور بيزنطة إلى أيام فجر الإسلام... إلى أن أفضى عرش الفرس إلى كسرى آنو شروان، المعروف بالعادل... الذي لم تعجبه مصالحة الروم فحمل عليهم بخيله ورَجلِهِ... ففتح بلاد الشام وأحرق أنطاكية ونهب آسيا الصغرى، فبعث إليه ملك الروم القائد بليزاريوس، فحاربه ورده على أعقابه...

واستمرت العلاقة بين الفرس والروم بين مدٍ وجزر... والعرب سكان الجزيرة العربية خارج نطاق الحسبة! وهنا لابد من الإشارة إلى دور اليهود لجهة ما كان بين اليهود والروم من العداوة والتباغض بسبب أباطرة الدولة الرومانية الذين اضطهدوا اليهود...

واستمرت هذه التوترات بحدتها إلى أيام هرقل –حيث بُعث النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم– فثار اليهود في أنطاكية وقتلوا بطريقها... كما ثاروا في فينيقية وفلسطين... وزاد الروم خوفاً من اليهود وحذراً منهم أن بعض العرافين أنبأوا الملك أن رجلاً من أهل الخِتان سيأخذ ملك قيصر منه!

ويقولون إن أهل الخِتان هم العرب المسلمون، كما أن حكومات النصارى في ذلك الحين إذا سنّت قانوناً خصصت بنوداً منه لليهود لمعاملاتهم بالاحتقار كما فعل القوط، حكام إسبانيا قبيل زمن الفتح الإسلامي، حتى سموا اليهود (أعداء الحكومة القوطية) وكانت المجالس المِلّية في إسبانيا قررت إلغاء الديانة اليهودية وأجبرتهم على اعتناق النصرانية وضيقت عليهم الخناق... حتى اضطروا للتظاهر بالنصرانية وقلوبهم مازالت تنبض باليهودية (وهؤلاء الصهاينة الجُدُد) حتى تكاد تنفجر حقداً وحسداً على ما نالهم من صنوف العذاب من الأمم المختلفة تحقيقاً لقوله تعالى «وضربت عليهم الذّلةُ والمسكنة» ولم يكن القوط يجهلون تكتمهم باليهودية، ولذلك لم يكونوا يعاملون المتنصِّرين منهم معاملة المسيحين الأصليين! وحظروا عليهم شراء العبيد وتمادوا في إذلالهم فمنعوهم حق التعليم والقراءة والكتابة!

ولما جاء الإسلام وأشرقت الأرض بنورها ووُضع الكتاب... حارب رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، المشركين يوم بدر، وهو يوم الفرقان يوم التقى الجمعان وجاءت القوافل بالأخبار بظهور الروم على الفرس، فأعجب ذلك المؤمنين ففرح المؤمنون بظهور الروم على فارس ونزلت بذلك الآيات (سورة الروم) وكان المشركون يحبون أن يظهر أهل فارس على الروم لأنهم وإياهم أهل أوثان... وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب، وهذا كله من الأمور الغيبية التي أخبر بها الله قبل وقوعها ووُجدت في زمان من أخبرهم الله بها من المسلمين والمشركين فليس الغلبة والنصر لمجرد وجود الأسباب وإنما لا بد أن يقترن بها القضاء والقدر والله يُعِزُّ من يشاء ويُذل من يشاء وهو العزيز الحكيم.

ولما اتسع نطاق الدولة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها ودخل الناس في دين الله افواجاً... فَنَعِمَ الجميع بعدالة الإسلام وسماحته حتى الأقليات والطوائف والديانات بقيت على موروثها ولم تُجبر على اعتناق الإسلام... ووضع ابن القيم، كتابه القيم وسماه (أحكام أهل الذمة) وضح فيه كل الامتيازات والضمانات لغير المسلمين... وهذا ما لم تعرفه المدنية المعاصرة! حتى غُلبت الروم!