ما بين النضج والقبول... يكون الحب

17 يونيو 2025 10:00 م

حين يتشبّع الإنسان من ترهات الحب، ويذوق اللظى من التجارب المختلفة، ويُتقن سرد القصائد والحكايات العاطفية عن ظهر قلب، تبدأ داخله حركة ناعمة نحو النضج. تتغيّر المفاهيم بصمت، وتُعاد صياغة الأولويات. يغادر تلك الدوامة العاطفية المندفعة، ويبدأ في تفكيك المعنى الأولي للحب، ثم إعادة بنائه... بشتى أنواعه.

القبول ليس مرحلة لاحقة في طريق الحب، بل هو البذرة التي تُنبت العاطفة إن سُقيت بوعي. هو الجوهر المختبئ خلف الأشكال البراقة، والسكينة التي تسبق اللهفة. لا ينبع من انبهارٍ عابر، ولا من توقٍ للحضور، بل من نظرة ناضجة ترى الآخر كما هو: بتعقيده، وتناقضاته، وندوبه. لا تستهن بما فيه، ولا تحاول إصلاحه، بل تحتضنه بكل حب ووعي.

فالحب، مهما بلغ من الجمال، يظل شعوراً هشاً بطبيعته، عُرضة للتآكل إذا لم يُدعّم بجذور من الفهم والوعي والتقبّل. أما القبول، فهو ما يمنح العلاقة بقاءها دون ادّعاء.

وفي زمنٍ تبهت فيه المفاهيم بين مثالية مُتخيّلة وواقعٍ هش، يصبح التفهّم، والتقبّل، والتعايش المُحب عملة نادرة. لا تنبع من وعود براقة، بل من وعي صامت يدرك أن الاختلاف لا يهدّد، وأن النقص ليس عيباً، بل امتداد لإنسانيتنا الناقصة.

وما أجمل أن يبدأ هذا القبول... من ذواتنا.

حين نتوقّف عن جلد الذات، ونحتوي تقلّباتنا كبشر، بضعفنا، وفشلنا، وانكساراتنا، حين نسعى للسلام مع ما كنّا عليه، ومع ما نحن عليه الآن، وما سوف نصبح عليه، تنعكس هذه الرحمة على العالم من حولنا. نراه أوضح، وأهدأ، وأقل قسوة... نمنحه مساحة كما منحناها لداخلنا.

القبول الحقيقي ليس ضعفاً، ولا تنازلاً، ولا رضا مصطنعاً، بل قوة هادئة. يمنحنا ثباتاً عميقاً، ويجعلنا نواجه الحياة بلا حاجة لإثبات شيء، وبلا توقٍ لنيل رضا أحد. لأننا، ببساطة، نعرف من نحن، ونحب من نحن، ونحب الآخر حباً ناضجاً، هادئاً، كما هو، لا كما نريده أن يكون.