حقبة الحزم تحتاج... العزم الاقتصادي

14 يونيو 2025 10:00 م

في أزمنة التحوّلات لا تكفي النوايا الصارمة إن لم تقترن بأدوات صلبة، فالدولة حين تتحدث بلغة الحزم تكون قد طرقت باب التغيير، لكنها لن تدخله من دون مفتاح العزم الاقتصادي. ففي المشهد السياسي الكويتي، يلوح في الأفق ما يُشبه التحوّل، لغة الحزم بدأت تطغى على التردد، وملامح القرار الحكومي تميل إلى الفعل لا المجاملة، وهذه الروح وإن أتت متأخرة تبعث شيئاً من الأمل في النفوس، وتوقظ شعوراً كاد ينام.

لكن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها، أن الاقتصاد لا ينتظر، وأن زمن المجاملات المالية قد انتهى، وأن حقبة الحزم السياسي تحتاج ما يكملها... العزم الاقتصادي.

ففي الحقبات الماضية، تراخى المجتمع في حقب الترضيات، حيث غلبت اعتبارات اللحظة على حساب المستقبل، وانتشر منطق اللا قرار، حتى باتت القوانين الاقتصادية حبيسة الأدراج، والمشاريع الإستراتيجية مجرد عناوين في نشرات الصحف.

اليوم إذا كانت الدولة جادة في صناعة تحوّل حقيقي، فإن العزم الاقتصادي هو الطريق الأصدق للحزم السياسي، فالنبرة الحازمة من الحكومة لا تكفي وحدها، إن لم تترجم إلى قرارات تعالج جذور الخلل لا سطحه.

ماذا يعني العزم الاقتصادي؟

• أن يُعاد توجيه الدعم إلى مستحقيه، بدل أن يكون عشوائياً يستنزف الدولة بلا أثر تنموي حقيقي.

• أن تفرض العدالة الضريبية على الشركات الكبرى التي تُحقق أرباحاً ضخمة دون مساهمة عادلة في الميزانية العامة.

• أن تتبنى الدولة مشاريع إنتاجية لا إنشائية فقط، تخلق وظائف حقيقية، وتنقلنا من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج ومستدام.

• مواكبة الاستثمارات الحديثة، لاسيما في المجالات التقنية المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، باعتبارها ركيزة أساسية لأي اقتصاد يسعى للبقاء والتفوق في زمن التحوّلات الرقمية.

• أن تفعل الرقابة على الهيئات المستقلة، التي تمارس صلاحياتها بعيداً عن المراجعة والمحاسبة، وكأنها خارج جسد الدولة.

• أن يُعاد النظر في طريقة إعداد الميزانية، لتبنى على أهداف واضحة وعوائد ملموسة، لا أن تبقى محصورة في تقسيمات تقليدية بين الرواتب والدعوم والمصاريف، بلا رؤية أو مردود فعلي.

• أن يُمنح الدعم الحقيقي لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، لا بالكلام والمبادرات الإعلامية، بل عبر توفير أراض مخصصة للمشاريع الصناعية والخدمية وغيرها، وتسهيل إجراءات الترخيص، وتقليل البيروقراطية التي تقتل الفكرة قبل أن تولد.

وفي وقت تتسابق فيه الدول على اقتناص المستقبل، لم يعد النجاح الاقتصادي حكراً على مَنْ يملك الثروات، بل على مَنْ يحسن إدارة قراره، ويجرؤ على المبادرة، ويستثمر في التوقيت، وهناك عدة أمثلة من حولنا:

•السعودية تقدم نموذجاً ملهماً في هذا السياق، من خلال إعادة توجيه استثماراتها الداخلية والخارجية عبر صندوق الاستثمارات العامة، الذي تحوّل إلى أداة إستراتيجية لتنويع الاقتصاد، واستقطاب قطاعات جديدة مثل الترفيه، والتقنية الحديثة، والرياضة العالمية.

• دبي تحوّلت من مركز تجاري إلى وجهة عالمية للتمويل والتكنولوجيا، بفضل تسهيل بيئة الأعمال واتخاذ قرارات استباقية.

• سنغافورة الدولة الصغيرة، باتت رمزاً للنجاح الاقتصادي بالعلم والتخطيط والشفافية، لا بالموارد الطبيعية.

أما نحن، فمازلنا نراوح بين لجان ومناقصات متعثرة، ومشاريع «قيد الدراسة» منذ عقدين.

وما نملكه في الكويت موقع جغرافي استثنائي، وجهاز مصرفي متطور، ثروات سيادية ضخمة، شباب متعلم وطموح، ونملك دستوراً يرسخ مبدأ الرقابة والتوازن بين السلطات، لكن الواقع اليوم الذي يشهد غياباً موقتاً للدور البرلماني، يضع عبء المرحلة على الإدارة التنفيذية، ويستدعي دقة أكبر في رسم المسار الاقتصادي، لكن ما ينقصنا ليس المال، بل الرغبة والقرار، ليس الفكرة بل توقيت التنفيذ، ليس الحلم بل العزم.

إذا كانت ملامح المرحلة تتجه نحو الحزم الحكومي، فإن استكمال المسار يتطلب عزماً اقتصادياً يعالج الخلل، ويحول التحديات إلى فرص، فما تحتاجه الدولة اليوم ليس فقط ضبط الإيقاع بل تحريك العجلة الاقتصادية، لا الاكتفاء بردود الأفعال، بل إطلاق مشاريع تُعيد الثقة وتبني المستقبل.

اللهم قد قلنا ما في ضميرنا فكن لنا شهيداً.