فلسفة قلم

مفارقة مرتديلا الجيش...!

12 يونيو 2025 10:00 م

في عالم ترتكب فيه الوحشية باسم الأمن، وتسوّق الجرائم على هيئة مبادرات إنسانية، لا غرابة أن نجد أنفسنا أمام مشهد يشبه مسرحيات العبث، ففي مايو الماضي، خرجت سفينة الضمير تحمل مساعدات إنسانية لفك الحصار عن غزة وعلى متنها نشطاء من تحالف أسطول الحرية، فسارع الجيش الإسرائيلي إلى قصفها بطائرتين مسيّرتين، وكأن الخبز كان قذائف وسلاحاً!

هجوم الجيش على «الضمير» لم ينل من عزيمة نشطاء الإنسانية فعادوا ليبحروا مطلع هذا الشهر بسفينة مادلين، التي تحمل اسم أول صائدة سمك فلسطينية، وتحمل أيضاً الطعام لمن يموتون جوعاً نتيجة الحصار اللاإنساني في غزة، ولكن يبدو أن الجيش الإسرائيلي استيقظ أخيراً على نصيحة من قسم العلاقات العامة لتحسين صورته ويبعث رسائل إنسانية فإذا به يعترضها، لا بالقصف هذه المرة، بل بـ... ساندويش مرتديلا!

نعم، لم تقصف السفينة، بل صعد الجنود على متنها، وقدموا للنشطاء المتضامنين مع أهل غزة ساندويشات! يا للكرم العسكري!

لكن المفارقة هنا، أن هؤلاء النشطاء لم يأتوا لأجل المرتديلا، بل لأجل إيصال الطعام لأطفال غزة الذين يمنع الجيش نفسه دخول الغذاء إليهم.

أي عبث هذا؟!

هل نحن أمام محاولة لغسل جريمة التجويع بلقمة عيش؟ أم أن الاحتلال يعتقد أن صورة المرتديلا ستتفوّق على صورة الجوع في غزة؟ لقد تناسى من اقترح تصوير الجندية الإسرائيلية وهي تقدم وجبة الطعام لركاب مادلين، أنها لو وزعت تلك الساندويشات على أطفال غزة لما أبحرت السفينة من الأساس.

لكن يبدو أن الجيش يفضل إطعام من جاءوا لينقذوا الجائع، بدلاً من التوقف عن تجويع الجائع نفسه، وكأن الرسالة: «سنعاملكم بإنسانية، شريط ألا تطالبوا بالإنسانية لغيركم!».

ملخص المشهد عرفه وليام شكسبير، منذ قرون عندما قال: «الشيطان يمكنه أن يستشهد بالكتاب المقدّس لتحقيق غاياته». فها هو الاحتلال يقدم الساندويش ليغسل يده من جرائم التجويع، بينما لايزال المعبر مغلقاً، والموائد فارغة، والمستشفيات تحت الحصار، وفي النهاية يقرر الجيش أن يختزل كل تلك المشاهد ويواجهها بلقطة علاقات عامة غبية!

فما عسانا أن نقول؟! إذا كان المرتديلا هو سقف الأخلاق العسكرية، فلا عجب أن تكون المجاعة سياسة دولة!